ذكرى وذكرى!
إذا كانت الوزيرة تحاول دق جرس إنذار لتحريك المياه الراكدة فهذا عمل مبدع وجريء يستحق نصرته على جميع مستويات القرار، بل يتطلب بناء استراتيجية دولة بشأنه لا قرار وزاري، لأن ذكرى كغيرها ستكون ذكرى في وقت ما وبسهولة يمكن أن «تنقط على صخر» بعد أن تتحول إلى واجهة تشبع ضرباً وتهكماً وسخرية.
وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل مجتهدة و"شادة حيلها" في التصدي لقضايا تراكمت كالجبال بسبب الإخفاقات والأخطاء عبر سنوات من التخبط الحكومي وبروز ثقافة مجتمعية تعمقت وانتشرت مع مرور الزمن.ولعل مشكلة التركيبة السكانية هي من أكبر الاختلالات الهيكلية في الدولة وأكثرها خطورة في البعد السياسي والأمني والاجتماعي، بل ذات كلفة اقتصادية عالية، ومن يراجع الأدبيات الأكاديمية الوطنية منها بالذات يجد تشخيصاً علمياً موثقاً لمثل هذه القضية المزمنة.
لهذا، فإن تصريحات السيدة الوزيرة ذكرى الرشيدي إذا ما كانت مبنية على قرار متخذ سلفاً بالتخلص من 100 ألف عامل أجنبي سنوياً، فهو قرار أقل ما يمكن أن يقال عنه متسرع، بل قد يفتح أبواباً لمشاكل وتعقيدات لسنا مستعدين لها إطلاقاً.أما إذا كانت الوزيرة تحاول دق جرس إنذار لتحريك المياه الراكدة فهذا عمل مبدع وجريء يستحق نصرته على جميع مستويات القرار، بل يتطلب بناء استراتيجية دولة بشأنه لا قرار وزاري، لأن ذكرى كغيرها ستكون ذكرى في وقت ما وبسهولة يمكن أن "تنقط على صخر" بعد أن تتحول إلى واجهة تشبع ضرباً وتهكماً وسخرية. وإلى السيدة الوزيرة بعض الملاحظات لعلها تساهم في إعداد تصوراتها الرجولية، أولها، أن المعادلة السكانية في الكويت تميل بنسبة تصل إلى 90% لمصلحة العمالة الآسيوية، وقد اتخذ القرار السياسي بالتوجه شرقاً ومثل هذا القرار يعني المزيد من الالتزامات والضغوط لزيادة هذه العمالة وليس تخفيضها.وثانياً، خطة التنمية التي لم نرَ منها شيئاً إلى الآن طرحت مشاريع عملاقة وكثيرة، الأمر الذي يتطلب أعداداً مهولة من العمالة إذا كانت هناك جدية في تنفيذها على الأرض.ثالثاً، مخرجات التعليم التطبيقي في التخصصات المهنية والفنية منذ عام 1982 إلى الآن ما زالت تقحم في العمل الإداري ولم تستفد منها الدولة أو من فلسفتها.رابعاً، العمالة المنزلية لوحدها تشكل ثلث العمالة الوافدة وأصبحت جزءاً من الحياة العامة التي لا يمكن التفريط فيها، بل إن استقدام العمالة المنزلية تحولت إلى متوالية هندسية، حيث إنها تتضاعف مع ولادة كل أسرة كويتية جديدة وحتى عند انهيار الأسرة كالانفصال أو وفاة أحد الزوجين.هذه ملاحظات سطحية وعامة، وبالتأكيد هناك تعقيدات أكثر عمقاً يجب الالتفات إليها، وحتى لا تكون مثل هذه التصريحات الجميلة مجرد شعارات وقتية، أو تتراجع عنها الحكومة بعد أول صرخة سياسية من أصحاب النفوذ، فإن على الوزيرة أن تكافح من أجل إصدار استراتيجية يتحمل مسؤوليتها مجلس الوزراء، فقرار تحويل الكويتيين إلى أغلبية في بلدهم كان قد اتخذ في مؤتمر جدة عام 1990 لعلم الأخت الوزيرة الفاضلة!