على عينك يا تاجر!
أهم نقطة في محاولات إيجاد حل للأزمة السورية من خلال المؤتمر الدولي المقترح (جنيف2)، الذي من المفترض أن يعقد في وقت لاحق من هذا الشهر، هي وضع الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، حيث تصر المعارضة، ومعها حتى الولايات المتحدة، وفقاً لتصريحات وزير خارجيتها جون كيري الأخيرة، على ألا يكون له أي دور في هذه المرحلة، بينما يصر هذا النظام وتصر روسيا أكثر منه، ومعها بالطبع إيران، على بقائه حتى العام المقبل، وفوق هذا من حقه أن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.واللعبة التي يريدها الروس قبل الإيرانيين وقبل الحكومة السورية وقبل الرئيس السوري نفسه هي الإبقاء على بشار الأسد رئيساً بيده كل المسائل المتعلقة بالجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والبنك المركزي حتى السابع عشر من يوليو 2014، أي إلى حين انتهاء ولايته الثانية منذ رحيل والده التي بدأت عام 2007، وتستمر سبعة أعوام متتالية.
ولمعرفة ما يريده الروس والإيرانيون وبشار الأسد نفسه من هذه المناورة الواضحة الأبعاد والمرامي لابد من إيراد نصوص ثلاث مواد من الدستور المعدل الذي عُرض، وكالعادة، على استفتاء عام في فبراير عام 2012، وأقر، كالعادة أيضاً، بأرقام فلكية ليصبح منذ ذلك الحين ساري المفعول مادام هذا النظام قائماً ولم يسقط.وهذه المواد هي:* المادة 88 وتنص على: يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية تالية. * المادة 155 وتنص على: تنتهي ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية، وتسري عليه أحكام المادة 88 من هذا الدستوري، اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة.* المادة 150 وتنص على: "لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور"، وهي، أي هذه المادة، تنص أيضاً على: "يناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقرّه بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدَّ التعديل نهائياً، شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية".إذن وفقاً للعبة الروسية فإن بشار الأسد يجب أن يكمل ولايته الثانية التي مدتها سبعة أعوام، والتي تنتهي في السابع عشر من يوليو 2014، ثم يترشح مجدداً لرئاسة جديدة مدتها سبعة أعوام أيضاً تتلوها سبعة أعوام جديدة أخرى... ثم بعد ذلك يجري تعديل الدستور وفقاً للمادة 150 من هذا الدستور، ليصبح الحكم مطلقاً استجابة لشعار: "إلى الأبد يا أسد" و"على عينك يا تاجر"!وبهذا فإن بشار الأسد وفقاً للعبة الروسية سينهي سنته السابعة من ولايته الحالية لتجدد رئاسته لولايتين متلاحقتين، وليصبح عدد السنوات التي أمضاها في الحكم ثمانية وعشرين عاماً، ثم بعد ذلك يجري تعديل الدستور وفقاً للمادة 155 ليصبح حكمه للأبد.ولهذا فإنه من حق المعارضة السورية ومن يؤيدها الإصرار على عدم حضور المؤتمر الدولي (جنيف 2) إلا بثلاثة شروط هي: أولاً، وقف إطلاق النار وبضمانات دولية. ثانياً، انسحاب قوات حزب الله والقوات الإيرانية و"المتطوعين" العراقيين من الأراضي السورية وبضمانات دولية أيضاً. ثالثاً، وهذا هو الأهم، أن تكون حكومة المرحلة الانتقالية، التي يجب تحديد مدة ولايتها بصلاحيات مطلقة تشمل الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي وكل شيء، وعلى أساس أن يبقى الرئيس السوري، هذا إذا بقي، بلا أي صلاحيات خلال هذه الفترة حتى السابع عشر من يوليو 2014، وأيضاً بكفالة دولية... وفي النهاية فإنه لابد من الإشارة إلى أن هناك معلومات تتحدث عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات يعمل، وليس يفكر فقط، لإعلان نفسه إمبراطوراً دائماً للإمبراطورية الروسية الجديدة.