فعل الحب!

نشر في 27-12-2012
آخر تحديث 27-12-2012 | 00:01
 د. ساجد العبدلي يقول الراحل ستيفن كوفي في كتابه ذائع الصيت، "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية"، إن أحد معارفه اعترف له في إحدى المرات، قائلا: "أنا وزوجتي لم يعد أحدهما يحمل ذات المشاعر تجاه الآخر، كما كنا في السابق. وأظن أني لم أعد أحبها، وهي كذلك ما عادت تحبني، فماذا أفعل؟". فسأله كوفي: "هل مشاعر الحب لم تعد موجودة بينكما؟". فقال: "تماماً، لم تعد موجودة بيننا، وأنا قلق جداً تجاه أسرتي المكونة من ثلاثة أطفال في ظل هذه الظروف، فماذا تنصحني أن أفعل؟". أجابه كوفي: "أنصحك إذن أن تحب زوجتك"!

قال الرجل: "لقد أخبرتك، لم تعد مشاعر الحب موجودة بيننا"، فقال كوفي: "ولهذا قلت لك أحبها". وهنا كرر الرجل باستغراب: "يبدو أنك لا تفهمني، شعوري بالحب تجاهها وشعورها بالحب تجاهي قد توقفا، فكيف تطلب مني أن أحبها؟"، فقال كوفي: "لأن شعورك بالحب تجاهها وشعورها بالحب تجاهك قد توقفا فلهذا السبب بالذات قد قلت لك عليك أن تحبها. الإحساس بالحب هو نتيجة وثمرة لفعل الحب، ولهذا فعليك القيام، ومن جديد، بفعل الحب تجاه زوجتك حتى تقطف الثمرة. راع مشاعرها. استمع إليها. اخرج معها. شاركها لحظات السعادة. تعاطف معها وقدّرها وقدّر ما تفعله. ضح من أجلها. قم بفعل الحب تجاهها صادقاً، وستقطف ثمرة الحب. والسؤال هنا: هل أنت راغب بالقيام بذلك؟".

هذه الفكرة المختلفة التي طرحها ستيفن كوفي تستحق بعض التأمل والتفكر. هل الحب يمكن تصنيعه حقاً بالطريقة التي وصفها كوفي؟ هل مشاعر الحب تخفت بين الأزواج والأحباب والأصدقاء لأن أطراف هذه العلاقات تتوقف مع الوقت عن تقديم وبذل ما تستحقه هذه العلاقات وما يجب من عطاء وجهد وتضحيات؟ أنا شخصياً أؤمن بذلك.

ستيفن كوفي، وكما هو واضح، يفصل ما بين الحب كثمرة وكشعور عاطفي ونفسي، والحب كفعل وصناعة إرادية عقلية سلوكية، ويرى أن الحب "الثمرة" هو النتيجة الطبيعية المتوقعة للحب "الفعل" الذي يتم تصنيعه بين أطراف علاقات الحب إرادياً عبر سلوكهم الخاضع لقراراتهم العقلية.

هذا الفصل، الذي أظنه جديداً على البعض وقد لا يروق لهم كثيراً، يروق لي لأنه يثبت ما كنت أقوله دائماً إن الحب ليس مجرد شعور عاطفي يقدح داخل النفس تجاه شخص ما، حتى إن كانت بداياته كذلك ربما، وإنما هو أكبر من ذلك وأعمق، كونه نتيجة تراكمية مكثفة لأفعال وممارسات إيجابية تقوم بها أطراف علاقات الحب تجاه بعضها بعضاً. هذا المفهوم يجعلني أدرك بالتبعية أن علاقات الحب وكما أنها نتيجة طبيعية لفعل الحب تحتاج كذلك مع مرور عمرها إلى الرعاية والمتابعة والصيانة حتى لا يعتريها الفتور ولا يدخل عليها الملل.

لهذا على من يريدون منّا أن يعيشوا بهناء وسعادة مع من يحبون أن يراجعوا من الآن فصاعداً وبشكل دوري دائم، أوضاع علاقات الحب في حياتهم وأن يعيدوا ترتيب هذه الأوضاع، بل وأن يعالجوها إن اقتضى الأمر ذلك. وأعني بذلك جميع علاقات الحب تجاه أزواجهم وتجاه أسرهم ومن تربطهم بهم صلات الرحم وتجاه أحبابهم وأصدقائهم، وألا يفترضوا أن مجرد وجودها يعني استمرارها وبقاءها على ما هي عليه من حياة وجمال وألق، بل عليهم أن يدركوا أنها ستظل دائماً بحاجة إلى بذل الجهد وتقديم الرعاية حتى تستمر زاهرة متألقة.

back to top