فترة حكم الشيخ مبارك الصباح (الحاكم السابع 1896-1915) مرت بظروف صعبة ومهمة في التاريخ الكويتي، أهمها توقيع اتفاقية الحماية مع الدولة البريطانية عام 1899م، والتي بموجبها أصبحت الكويت حليفة لبريطانيا، وأنهت ارتباطها بالدولة العثمانية. ومن الطبيعي ألا تسكت دولة الخلافة على هذا التوجه من قبل مبارك، ولذلك سعت بعد توافر شواهد عديدة على توجه الشيخ مبارك لبريطانيا إلى إخضاع شيخ الكويت لأوامرها، ولكن دون جدوى. في حلقة اليوم والحلقات القليلة المقبلة سنعرض لقرائنا الكرام تفاصيل تاريخية من واقع وثائق بريطانية وكويتية تروي الظروف الصعبة التي تعرض لها الشيخ مبارك في عام 1900/1901م بسبب توقيعه الاتفاقية، وكيف استطاع بحنكته السياسية أن يتفاوض مع الجميع، وأن يحفظ سيادة الكويت دون أن يخوض معركة واحدة مع العثمانيين. وثيقة اليوم تاريخها 17 ربيع أول 1319هـ الموافق 4 يوليو 1901م، وهي من الشيخ مبارك إلى القنصل البريطاني في الخليج، وهذا نصها الحرفي:
"بسم الله تعالىمن مبارك الصباح حاكم الكويت إلى حضرة ذو الشوكة والإجلال قبطان كنبل باليوز وقنصل جنرال الدولة البهية الانكليزية في الخليج دام بقاه،بعد السؤال عن شريف خاطركم، حال تاريخه يوم السبت الفجر وصلنا ساعي مخصوص من وكيلنا الذي في البصرة وسلم لنا سؤال وجواب الذي صار بينه وبين والي البصرة، وسؤال الوالي وجواب وكيلنا. صورة ذلك بطيه أرسله لصوبكم العالي، ونخبر حضرتكم أننا تحت حمايتكم ومتمسكين بالجواب الذي جرا موجب الأوراق، الذي بيننا وبينكم، جاري علي يد الكرنل ميد، باليوز السابق، وان دولة الترك كلما طلبوا منا من المطالب ندافعهم بالعذار، فالآن هذي الأخبار الذي جاتنا عرضناها لصوبكم الغالي ومنتظرين أمركم، ونحنا قطعا مالهم علينا دليل يمكنهم لا منا ولا من آبائنا، ونحنا مستكفين بحمايتكم، ووقوع أنظاركم، ونرجوكم الجواب ونعرف ما حنا عليه، لان الأمور مثلما ترونها. نرجو سريعا الجواب ودمتم سالمين ومحروسين. 17 ربيع أول 1319هــ".ويتضح من هذه الوثيقة أن الشيخ مبارك يؤكد للحكومة البريطانية أن وكيله في البصرة المرحوم عبدالعزيز البدر القناعي التقى بوالي البصرة (العثماني) الذي وجه للبدر عدة أسئلة مباشرة وواضحة، وأجاب عنها البدر إجابة مباشرة وواضحة كذلك. ويقول الشيخ مبارك إنه أرفق نسخة من تقرير البدر مع رسالته، مؤكداً لها أنه يقف في صف الإجابات التي أدلى بها البدر، ويذّكر بريطانيا بأن الكويت تحت حماية الدولة البريطانية، وأنه رفض العديد من الطلبات العثمانية بسبب ارتباطه ببريطانيا. لذلك، يقول الشيخ مبارك، فإن الكويت تحتاج إلى وقفة معها في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها، وأنه يريد جواباً سريعاً نظراً لخطورة الموقف. وهكذا نرى أن الشيخ مبارك التزم بتطبيق بنود الاتفاقية رغم صعوبة الأمور، وأن رفضه المتكرر للمطالب التركية تسبب في رفع مستوى الشكوك حول ارتباطه بدولة كبرى غير الدولة العثمانية، مما دفع والي البصرة إلى استدعاء وكيل الشيخ مبارك في البصرة ليسأله مباشرة عن وضع الكويت وعلاقتها ببريطانيا. في الأسبوع المقبل إن شاء الله سنرى أن المرحوم عبدالعزيز السالم البدر كان سفيراً استثنائياً متمرساً، وأنه لم يتردد أن يعرض موقف الشيخ مبارك بالصورة الجريئة والواضحة أمام الوالي العثماني.
أخر كلام
وثيقة لها تاريخ: الشيخ مبارك الصباح ينقل تقرير عبدالعزيز السالم البدر إلى القبطان «كنبل»
20-09-2013