ما مستقبل الأحداث والتطورات الجارية مع ولوج العراق في السنة الحادية عشرة من زمن الاحتلال؟ يمكننا أن نتناول نظرية ابن خلدون (1332- 1406) عن التنبؤ بالمستقبل علمياً، وهي النظرية التي أخذ بها علم الاجتماع الحديث، إذ يقول ابن خلدون: "إن الوقائع والأحداث التي تجري في الزمن الحاضر، والتي لها ما يشابهها من الأحداث والوقائع في الزمن الماضي وفي نفس المكان، فإنه يمكننا أن نتنبأ بمستقبلها".

Ad

وعندما يؤكد ابن خلدون على إدخال السببية في مجال البحث التاريخي، لأن معرفة السبب تمكننا من معرفة المسبب، وأن قراءة المستقبل ترتبط بالأسباب التي تتفاعل في زمننا الحاضر، لذا فإن المستقبل يمكن أن نتنبأ به وفق أُسس علمية، فالتاريخ عند ابن خلدون علم من بين العلوم الطبيعية الأخرى وظاهرة من ظواهر الطبيعة ليس إلا. ولهذا كتب في "المقدمة" ما يلي:

"إنّا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان واستحالة بعض الموجودات إلى بعض". ج 1، ص352.  

وإذا ما طبقنا هذه النظرية على الوضع في العراق بين زمن الاحتلال البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وما تبعه من ثورات وانتفاضات انتهت بزوال الاحتلال وانتصار الثوار، وبين الاحتلال الأميركي منذ عام 2003 وانسحابه رسمياً في أواخر 2011، مع استمرارية النهج الجهادي المقاوم، فإن الاحتلال لا محالة زائل، والمستقبل يتجه فقط صوب القوى الوطنية الباسلة في المقاومة والممانعة.

وبما أن الاحتلال البريطاني قد أوجد حكومات عراقية ترتبط به وتحافظ على مصالحه بالدرجة الأساس، فقد جابهت تلك الحكومات الشعب بأنواع من القمع والاضطهاد، ثم زالت مع زوال الاحتلال البريطاني، لذا فإن هذا المصير نفسه سيلاقيه كل الذين قدموا على ظهر الدبابة الأميركية التي أُعلن تقهقرها وتراجعها بموعد انسحابها الرسمي.

ومن المؤكد أن لهذه الحقيقة واقعاً ملموساً عند شخوص العملية السياسية، لذلك كان ومازال هدفهم الأول هو مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية على مصالح العراق أرضاً وشعباً. حتى وصل حال العراق وفق المنظمات الدولية المستقلة والشفافة إلى أنه يتصدر العالم في الفساد الإداري، والفقدان الأمني، والتدني الصحي والتعليمي والخدمي... إلخ. والبلاد يزداد فيها فوضى القتل والدمار وانعدام الخدمات في المجالات المختلفة، ولا أحد يكترث للسخط الشعبي المتفاقم الذي بدأ يتحرك في المحافظات الثائرة. بل نجد المالكي يصف المنتفضين بالفقاعة، وأنهم يحملون شعارات كريهة، وعليهم أن ينتهوا قبل أن يُنهوا... هكذا بلغة متدنية وتهديد فج، وهو المسؤول عن الوزارات الأمنية منذ ثلاث سنوات، ورئيس الوزراء وقائد عام القوات المسلحة منذ سبع سنوات... والعراق يتدحرج نحو الهاوية أكثر فأكثر.

عموماً إذا كان هذا الحراك الشعبي والجماهيري ظاهرة من ظواهر التاريخ والمجتمع وقانون من قوانينها التي لا تنفصل عن الطبيعة، حيث تخضع جميعها لنظام عام واحد، كما بيّن ابن خلدون، فإن تحليل أحداثها وردها إلى عللها وأسبابها القريبة منها والبعيدة، تعني وفق المفهوم الخلدوني أن مستقبل الأوضاع في العراق لن يكون لمصلحة الاحتلالين الأميركي والإيراني، ولا إلى أذنابهما من التابعين مسلوبي الإرادة لكونهم شخوص احتلال، بل ستكون لمصلحة القوى الوطنية الحقيقية، المسلحة منها والمدنية المتمثلة في الانتفاضة الشعبية المتصاعدة يوماً بعد آخر.

فهذه القوى المسلحة والمدنية هي الممثل الحقيقي لإرادة الشعب الرافض للاحتلال، ورفض كل ما تمخض عنه في العملية السياسية والقوانين والدستور، وأن الذكرى العاشرة تعني انقضاء الكثير وبقاء القليل من زمن الاحتلال وأعوانه، وإن غداً، بعونه الله تعالى، صار أكثر قرباً لناظريه.