برأيك ما التطرف؟

Ad

التطرف هو كل تغير في طبيعة الشيء إما بالزيادة أو النقصان، يبدأ بنظرة ازدراء للآخر، مروراً بالتطرف اللفظي حتى يصل إلى مرحلة التطبيق على الأرض والذي يُطلق عليه «العمل المتطرف»، وهو مرتبط بالنوازع الإنسانية، فثمة أشخاص يقدمون العنف على الحوار في الحياة، ويأتي الدين ليكون غطاء لانتهاج المتطرف، والعنف والتطرف كل منهما يأتي من مدرسة واحدة، مدرسة رفض الحوار.

ماذا عن أسباب التطرف في الإسلام؟

تكمن في قلة الوعي وعدم الفهم الصحيح لنصوص القرآن والسنّة، فالجهل يؤدي إلى التطرف في الفهم والتطرف يؤدي إلى العنف، والعنف وراء كل هذه الدماء الموجودة في المجتمعات الإسلامية، فعندما يسود الجهل في المجتمعات الإسلامية ترى عزوفاً عن الخطاب الديني الوسطي الذي تقدمه مؤسسة دينية كالأزهر مثلاً، ليحلّ محله خطاب ديني متشدد متمثل في اعتناق الفكر الوهابي الذي يسود حالياً في المجتمعات الإسلامية، وللعلم المملكة العربية السعودية التي تتبنى ذلك الفكر «الوهابي» ترى فيها خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز يُقاوم ذلك الفكر بضراوة، فمؤتمرات الجنادرية التي تشهد الكثير من الجدل تقام تحت رعايته، كما نظم هو وملك إسبانيا أخيراً مؤتمراً لحوار الأديان حضره قساوسة وحاخمات وبوذيون وبهائيون، إلى جانب رعايته لحقوق المرأة، وإن كان لا يعني ذلك أن الدولة كلها تتبنى مسلك ملك السعودية، باختصار ملك السعودية أصبح «قاسم أمين» المملكة.

هل الخلط بين الدين والسياسة يساعد على تكريس التطرف؟

بالطبع... فحينما تختلط السياسة بالدين يخسر الطرفان، ولا يهمني خسارة المذهب السياسي، بل ما يهمني هو «الدين» الذي يدفع ثمن هذا الخلط، كما أن التطرف والعنف ليس لهما علاقة بالدين، لا شكلاً ولا موضوعاً، فحينما نقول دين يعني ذلك: السلام، التسامح، محبة الآخر وعدم رفضه.

حين تختلط السياسة بالدين ينمو التطرف في الفهم الذي يتمثل في محاولات ليّ النص الديني لخدمة الغرض السياسي، وكل المجتمعات التي لا تؤمن بالديمقراطية ترى فيها تطرفاً فكرياً يصل إلى التكفير وإراقة الدماء باسم الدين، وهنا تكمن خطورة خلط الدين بالسياسة.

ماذا عن التطرف مع الآخر؟

الإسلام منه براء، ودائماً ما يأتي من جهّال يعتنقون أفكاراً غريبة ليست من الإسلام في شيء، كما أن ازدياد الفضائيات الدينية ساعد على تكريس التطرف ضد الآخر، بعدما تخلت الدولة بمؤسساتها الدينية عن مراقبة مضمون الخطاب الديني الذي تقدمه تلك الفضائيات.

لا أنسى أيام الاعتداء على المقر البابوي وسط القاهرة في 7 أبريل الماضي حيث خرج علينا أناس ممن يعتنقون الفكر الوهابي ودعوا إلى حصار الكاتدرائية، للعلم هذه المرة الأولى التي يحدث فيها اعتداء على المقر البابوي، منذ إنشائه في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في 25 يونيو 1968.

 كيف ترى التطرف والعنف في بلدان {الربيع العربي} رغم وجود أنظمة إسلامية من المفترض معرفتها بمقاصد الشريعة؟

بداية أتحفظ على مصطلح «الربيع العربي»، فهو غربي الصنع لحسابات يطُول شرحها، ولو صحّ وجوده فلماذا تحول إلى خريف ثم إلى شتاء؟ على سبيل المثال انظر إلى ما يجري في سورية، فالشيء المؤكد الآن أن بديل بشار الأسد أصبح بكل صراحة تنظيم «القاعدة» وما يعتنقه من أفكار متطرفة إرهابية، وفي ما يخص العنف والتطرف في الدول العربية التي قامت فيها ثورات، فمعظم الأنظمة الحاكمة هناك من الإسلاميين الذين يدعون إلى العنف والتطرف الفكري، لكونها أنظمة استغلّت الدين كغطاء لعملها السياسي، وطوعت شعارات الإسلام لتحقيق مآربها الشخصية، وما إن وصلت إلى سدّة الحكم حتى كفّرت الآخر، وأقصد بالآخر هنا غير المسلم والمسلم الذي ليس على مذهب تلك الأنظمة، باختصار التكفير لغة تلك الأنظمة الرسمية.

أين التسامح في الإسلام من هذه اللغة؟

الإسلام دين تسامح والشواهد كثيرة في القرآن والسنّة، لكن المسلمين هم من غيّبوا هذا المفهوم بسبب سوء تصرفاتهم مع بعضهم البعض ومع الآخر. مسلمون كثر لا يدركون القيمة العظيمة التي يحملونها في صدورهم وهي أمانة الإسلام التي رفضت السماوات والأرض أن تحملها وحملها الإنسان.

لكن ثمة خلافات بين مؤسسة الأزهر بفهومها الوسطي كما وصفتها سابقاً والفاتيكان بروما ... ألا يعتبر ذلك من أشكال التطرف مع الآخر؟

بالطبع لا... فخلاف شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب وقراره بتجميد العلاقة بين الأزهر والفاتيكان، جاءا بعد خطاب بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر، عندما ربط في إحدى محاضراته بين الإسلام والعنف، فأعلن الطيب في 2011 تجميد العلاقة بين الأزهر والفاتيكان، وكان لا بد من اتخاذ موقف مع الإساءات المتكررة للإسلام على يد البابا بنديكت، ومع تولي البابا الجديد فرانسيس الثاني رحب الشيخ الطيب به وقال: «نأمل أن نبدأ صفحة جديدة في العلاقات سوياً»، كذلك  زار وزير الأوقاف الأسبق الدكتور حمدي زقزوق روما وألقى أكثر من محاضرة للتعريف بسماحة الإسلام وقت الأزمة، وهذا دليل على مدى فهم الأزهر لأهمية التواصل مع الآخر.

 برأيك هل يعني تطبيق شرع الله التطرف والدعوة إلى الجمود؟

بالطبع لا، فالشريعة الإسلامية وسطية تتفاعل مع الجميع وتصلح لكل زمان ومكان، لكن بعض الإسلاميين المعاصرين ينظرون إلى تطبيق الشريعة على أنها الحدود فحسب؛ وهذا فهم قاصر، فالشريعة الإسلامية مفهوم أوسع من تطبيق الحدود، وهي معاملات يفتقدها المسلمون الآن، كذلك العبادات التي يؤدونها الآن من دون تدبر.

الإسلام والجهاد

هل كلّ الجهاد تطرف؟

الجهاد في رأيي جهاد للنفس، إلا إذا حدث عدوان على البلد، وقتها يصبح الجهاد فرض عين على كل مُستطيع، وهناك جهاد للحفاظ على العرض والمال، لكن أعلى درجات الجهاد في الإسلام الصحيح هو جهاد النفس، بمعنى أن تُقاوم ما في نفسك من شرور.

لماذا يتهم الغرب الإسلام والمسلمين بالتطرف دائماً؟

كي أكون موضوعياً... ثمة جانب متطرف فعلاً داخل العائلة الإسلامية وأقصد تحديداً ما يُعرف بتنظيم «القاعدة» الذي أساء إلى الإسلام أكثر مما نفعه، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، مروراً بالتفجيرات التي تحدث من حين إلى آخر، ولهذا وصف الإسلام بالإرهاب في الغرب لا ينتهي، وفي الوقت ذاته لا أستطيع إبراء ذمة الغرب، ففيه أحزاب متطرفة تكره الأجناس الأخرى، من يحكم في إسرائيل الآن هو اليمين المتطرف الذي يكره العرب والمسلمين، لا يهمني الغرب بل ما يهمني ماذا قدم المسلمون لتصحيح صورتهم في الغرب، أما ما يريده الآخرون منا فلا يعنيني بشيء.

لكن البعض يرى عدوان الغرب على المسلمين يستوجب دفعه بالجهاد؟   

  ممارسة الإرهاب لا تبرير لها ولا مشروعية، الإرهاب هو الإرهاب.

ألا يُعدّ كافياً مشاهد بشعة لقتل المسلمين في بورما على يد البوذيين مثلاً لاستهداف الآخر؟

بالطبع لا... فحيثما يكون التطرف يكون العنف، وأتصور أن مثل هذه الأعمال حوادث فردية، لا علاقة لها بالعقيدة، لا أعتقد أن يكون فكر الروحانيات الذي تحدث عنه بوذا يدعو إلى كل هذا العنف، فلو أن بوذا موجود اليوم لرفض ما يحدث من أتباعه.

كيف ترى المراجعات الفكرية التي قدمتها بعض الجماعات الجهادية؟

منها ما هو جاد بالفعل وصادق، ومنها ما هو جزء من المصالحات مع أجهزة الأمن، من دون قناعات بنبذ العنف.

ما الطريق إلى  تعزيز مبدأ التسامح في الإسلام ونبذ التطرف؟

التسامح ثقافة تأتي من البيت والمدرسة وشاشة التلفزيون التي أسميها المدرسة الشعبية المجانية، والثلاثة سيمفونية لا بد من أن  يعملوا سوياً، لكن مع الأسف ثمة خلل ضرب المصادر الثلاثة، فبعض الكتب المدرسية لا يدعو إلى التسامح بل إلى رفض الآخر، لذلك كان من أولوياتي في مركز «الثقافة وحوار الأديان» العمل على تنقية الكتب المدرسية من أفكار رفض الآخر، وبالنسبة إلى البيت ضغوط الحياة والمعيشة كانت سبباً في غياب رقابة الآباء على الأبناء لذلك تفلت الجميع، والتلفزيون الرسمي مهموم بالترويج للأنظمة الحاكمة، بينما القنوات الخاصة تهتم بالشكل لا المضمون لضمان الربح وتغطية النفقات.

ماذا تفعل الأمة الإسلامية لتصحيح صورتها ودحض تلك الاتهامات؟

بالتواصل مع الآخر، وإظهار أن الإسلام رحمة للعالمين، وأن نكفّ عن الخطاب الديني المشوّه الذي يتبناه دعاة التشدد، وهنا يأتي دور علماء الأزهر في ضرورة أن يهبّوا لنجدة الإسلام من أكداس التفاسير الحديثة التي ميّعت مضمون الأيات.

لماذا لم يظهر التطرف في الدولة الإسلامية الأولى التي أسس لها النبي محمد (ص)؟

لأنهم كانوا أكثر فهماً ووعياً منا لنصوص القرآن وأحاديث النبي، وهنا يكمن الفارق بيننا وبينهم.

الإسلام وتغيير المنكر

 كيف حدد الإسلام لأتباعه تغيير المنكر؟

الإسلام حدد آليات التغيير في الحديث النبوي «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، ومن أكثر روحانيات ذلك الحديث أن المقصود بالتغير الحقيقي هو تغير ما في القلب من حقد وعدوان على الناس، وأن يساعد الشخص على أن يتحوّل عن المنكر إلى فعل المعروف.

هل تغيير المنكر مسؤولية كل مسلم أم مقصورة على ولي الأمر؟

الأمة كلها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن الذي يغير هو من يختاره الحاكم لتلك المهمة، وإلا ستتحول الأمور إلى فوضى.

لكن البعض يستند إلى حديث «من رأى منكم منكراً» باعتباره رخصة إسلامية لممارسة العنف والتطرف؟

أنت تقصد «يلوي» النص بحسب هواه حتى يسخره في تنفيذ مخططاته، وهذا جزء، كما سبق وذكرنا، من الخلط بين الدين والسياسة لتحقيق أهداف شخصية لا خدمة الإسلام.

 ما السبيل إلى التغلب على الفهم الخاطئ لتلك النصوص؟

عبر الحوار، وأن يتصدر المشهد الديني الدعاة الوسطيين المستنيرين، وليس دعاة الوهابية.

إلى أي مدى يجب أن يتوافق مبدأ الإصلاح الاجتماعي في أي مجتمع مع نبذ التطرف؟

لم يكن الإصلاح يوماً سبباً في إحداث العنف والتطرف، لكن ثمة  عراقيل يضعها بعض دعاة الظلام لعدم إتمام النهضة الإصلاحية، ليظلوا في صدارة المشهد.

الإسلام والآخر

الغرب يهاجم الإسلام اليوم بوصفه يُقصي المرأة فكيف نردّ عليه؟

اتهامات الغرب لا تهمني، الذي يهمني هو تصرفات بعض المحسوبين على التيار الإسلامي التي تساعد على تأجيج مشاعر كراهية الغرب للإسلام، من إقصاء للمرأة وتهميش دورها، بينما كانت المرأة في الإسلام عاملة وطبيبة وفي أحيان محاربة، تتمتع بنفس ما يتمتع به الرجل من حقوق وعليها ما على الرجل من واجبات.

ما مردود «حوار الأديان» في التواصل مع الآخر؟

نجح إلى حد كبير، لكن ما تحقق على مستوى النخب لم يصل إلى القاعدة العريضة من الناس وهنا بيت القصيد، خاصة أن تلك القاعدة دائماً ما تكون معزولة عن النخبة، وهو ما يحتاج إلى تفعيل الدور الثلاثي للبيت والمدرسة والتلفاز.

لكن البعض يرفض «حوار الأديان» ويؤكد أنه لم يقدم شيئاً في تخفيف حدّة الاحتقان بين الأديان.

ليس المطلوب من حوار الأديان اعتراف كل طرف بعقائد الطرف الآخر، إنما الهدف منه الوصول إلى أرضية مشتركة يجتمع عليها الأفراد للتعايش، وهو الهدف الأساسي من الحوار، فكون الآخر يختار عقيدة مخالفة لا يعني ذلك محاربته.

كيف حدّد الإسلام العلاقة مع الآخر؟

رسالة الإسلام الأساسية الاعتراف بالرسل والأديان والكتب السماوية السابقة، فكيف يعقل أن يدعو الإسلام إلى قتال الآخر، وفاتحة الكتاب تبدأ بـ «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم» أيّ أن الله هو رب العالمين، وهو الرحمن الرحيم بالعالمين، وإن كان هناك تجاوزات من الأطراف المختلفة كما وضحنا، بسبب سوء فهم النصوص الدينية إما لجهلٍ أو لتحقيق أهداف آخرى.

ما ردّك على اتهامات مفكرين غربيين للرسول باستخدام العنف ضد المخالفين لعقيدة الإسلام؟

غزوات النبي( صلى الله عليه وسلم) كلّها كانت من أجل الدفاع عن النفس وعن المؤمنين ونشر الدعوة، ولا يُتصوّر أن نشر الدعوة كان بالقوة بل من أجل صدّ هجمات كان يتوقع حدوثها ضد الإسلام من قبل الأعداء، فالإسلام لم يدعُ إلى الانتقام من أحد والأساس فيه التسامح {فمن عفى وأصلح فأجره على الله}، وحق ردع المعتدي مكفول في الإسلام من باب الدفاع عن النفس أو الدين أو العرض.

في سطور:

● الدكتور علي السمان مصري الجنسية من مواليد  مدينة القاهرة عام 1929، متزوج وله ابن واحد، ويتحدث بالعربية والفرنسية والإنكليزية.

● رئيس لجنة الحوار والعلاقات الإسلامية في {المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية} بالقاهرة (-1996 2011).

● عمل كمستشار لشؤون الحوار لشيخ الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي (2000 -2006)، ونائباً لرئيس {اللجنة الدائمة للأزهر الشريف للحوار بين الأديان السماوية} (1997 -2006)، إلى جانب عمله كمستشار للرئيس المصري محمد أنور السادات للإعلام الخارجي (-1972 1974)، ومسؤول عن الإعلام الخارجي في مؤسسة الرئاسة المصرية (-1972 1974).

● رئيس {الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان وتعليم السلام} (أديك)، وسكرتير عام «الجمعية المصرية- الأوروبية للإعلام الاقتصادي» ومقرها الرئيس في سويسرا.

● حصل على ليسانس حقوق في جامعة الإسكندرية (1953)، ودبلوم في الدراسات العليا في القانون الدولي العام والعلوم السياسية في  جامعة غرونوبل- فرنسا (1956)، دكتوراه دولة في القانون والعلوم السياسية في جامعة باريس (1966).

● حصل على وسام شرف {ضابط النظام الوطني الفرنسي} (2012)، وعلى ميدالية تقديرية من رئيس أساقفة كانتربري لجهوده المثمرة في خدمة الحوار بين الأديان (2004)، إلى جانب حصوله على شهادة تقدير من مؤسسة People to People International عن إسهاماته القيّمة في دعم الصداقات الدولية وما ينتج عن ذلك من سلام عالمي ( 2003).

● للسمان دراسات وأبحاث وكتب بلغات عدة، آخرها كتاب {السلام في نصوص الأديان السماوية الثلاثة} الجاري طبعه حالياً باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية.