انستغرام
في إحدى الصحف المحلية نُشر خبر ربما لم يلتفت إليه كثير من القراء جاء فيه: "في أول حكم قضائي من نوعه، قضت محكمة الأحوال الشخصية بإسقاط حضانة مواطنة لأبنائها الأربعة، استناداً لعرضها صوراً غير لائقة على حسابها في برنامجي التواصل الاجتماعي انستغرام و(keek). وطالب محامي الزوج بإسقاط حضانة الأم كونها (كما يقول الخبر) عرضت صوراً خاصة مع صديقاتها في الأوقات التي من المفترض أن تكون خلالها في المحاضرات الجامعية"، انتهى الخبر.وبعيداً عن تحليل فحوى الخبر الذي ينقل وجهة نظر طرف واحد من المتخاصمين دون الآخر، وبغض النظر عن طبيعة الخصومة وما تحمله من أبعاد اجتماعية وأخلاقية وربما كيدية، يبقى التساؤل حول مدى مصداقية ما يتداوله الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، ومدى مطابقته لشخصياتهم ونواياهم ووقائع حياتهم. بل الأخطر من ذلك الاعتماد على تلك المحادثات والصور كأدلة وبينات على الحكم على الأشخاص وصدقية سلوكهم وأفعالهم!
من يدخل على حسابات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت سيجد أن هذا العالم الإلكتروني أشبه بالـ"Matrix"، أي أنه عالم افتراضي يوازي الواقع ولا يعكسه أو يتفاعل معه، وأن الأشخاص الذين يحادث بعضهم بعضاً يعتمدون في تلك التواصلات على بعد آخر في شخصياتهم ربما يمتّ إلى الحُلم أو الرغبات المكبوتة أو الوجه الآخر المستخفي منهم.وهذه الميول تظهر فيما يختاره البعض من صور "البروفايل"، والتي عادة ما تظهر فيها الفتيات كنجمات السينما أو بأوضاع مغرية، أو تأتي الصور لتركز على الشفتين أو العين أو جزء من الوجه فقط، وكذلك لا يقصّر الرجال في إظهار ما يستحسنون من مظهر جسدي أو معنوي. ولكن واقع الحال يقول إن هذه الصور ليست سوى صور مستعارة من محيط الإنترنت الهادر، أو في أحسن الأحوال تمت فبركتها من خلال برنامج الـ"فوتوشوب".ولا تقف مسألة الوهم والخداع عند الصور فحسب، بل ينطبق ذلك على ما يتم تداوله من محادثات أيضاً، فهناك كم كبير من الإطراءات و"اللايكات" والمجاملات والكلام المعسول يُهدر على أشخاص لم يحدث قط أن التقى أحدهم الآخر أو عرفه في أي درب من دروب الحياة، ولو حصل – جدلاً - والتقى أحدهم الآخر فإن خيط التواصل سوف يتوه بينهما ويصطدمان بجدار أصم. إنه عالم الـ"Matrix"، حيث كل شيء يتم صنعه إلكترونياً ويُدار آلياً حتى المشاعر والأحاسيس والصلات القلبية الحميمة.وعليه فإن مصطلح "حسابات التواصل الاجتماعي" الذي شاع مؤخراً يبدو مصطلحاً مربكاً ومخادعاً، والأحرى أن يكون "حسابات التواصل اللإلكتروني"، لأنه أدلّ على واقع الحال.نعود إلى قصة الحكم الصادر ضد صور "انستغرامية" محضة، لنتساءل عن مدى انطباق الشخصية الإلكترونية في أي حساب إلكتروني على الشخصية الحقيقية في واقع الحياة! ففي عالم الـ"Matrix" الافتراضي يمكن أن تنقلب الآية، فيصبح الجبان شجاعاً، والقبيح جميلاً، والأبكم ثرثاراً، والوحيد المنعزل له مئات أو آلاف الأصدقاء، والفظ المتجبّر يقطر رقة وحناناً. فأي من هذه الشخصيات يمكن أن يُحكم عليها؟ وأي وجه هو الأصدق يا ترى؟ويبقى الانستغرام وغيره من وسائل - على الرغم من كل ذلك - عالماً مغرياً وجذاباً، ولعل سر جاذبيته يكمن في أنه يحقق بعضاً من أحلامنا، ويكمل صورنا الحقيقية الناقصة.