لن أبدأ مقالتي بالعبارات الدفاعية المكررة بأنني ضد العنف وضرب الشباب، واستنكار وشجب ما حدث في قرطبة لكي أمنع عني سيل الاتهامات والتخوين من جبهة الأغلبية المبطلة وآلتها الإعلامية الممتدة، فهي مواقف معلنة لي منذ باشرت العمل الإعلامي والنشاط السياسي قبل أكثر من عشرين عاماً، لأن ذلك لم يعد مجدياً مع تلك الأغلبية وحلفائها، لأن لديهم مفهوماً للديمقراطية وما يتفرع عنها من حريات صناعة محلية، وهو كالقالب، ومن يخرج خارجه فهو خائن أو "فاهم الديمقراطية غلط" بحسب اعتقادهم.

Ad

 فالفرنسيون الذين أطّروا الديمقراطية الحديثة عبر ثورتهم ومنظّري ومفكّري الديمقراطية التي ننسخها نحن عنهم مثل فولتير وجان جاك روسو وغيرهما، أقول هؤلاء الفرنسيون لا يفهمون الديمقراطية بمفهوم الأغلبية المبطلة ورعاتها عندما قمعوا المظاهرات الفوضوية على أثر قرار الرئيس السابق ساركوزي رفعَ سن التقاعد وسمحوا فقط بالمسيرات والمظاهرات المرخصة، وعندما استخدم الدرك الفرنسي الرصاص الحي ضد مظاهرات المهاجرين الفوضوية في الأحياء السكنية والضواحي بسبب تهميشهم وارتفاع نسب البطالة بينهم.

ومعشر البريطانيين كذلك، بكل تراثهم الديمقراطي الممتد منذ "الماغنا كارتا- 1215م" وحتى تطويرهم للنظام الملكي– الدستوري الحالي هم أيضاً "فاهمين الديمقراطية غلط" عندما تصدوا لمظاهرات الطلبة المحتجين على رفع رسوم الجامعات، وأشبعوهم قمعاً واعتقالاً عندما خرجوا عن الخط المرخص لمسير مظاهرتهم في الربيع الماضي، وكذلك ربعنا الأميركيون بكل تاريخهم الديمقراطي وإعلان إبراهام لنكولن النموذجي للحريات أيضاً لا يفهمون الديمقراطية عندما قمعوا تحركات "وول ستريت" غير النظامية، وفتحوا النار على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام مقر مؤتمر التجارة العالمي في سياتل قبل سنوات، وكذلك عندما احترم الأميركيون جميعاً حكم المحكمة الدستورية العليا عام 2000 في تثبيت فوز الرئيس جورج بوش الابن بالانتخابات الرئاسية رغم كل الشواهد على تجاوزات التصويت في ولاية فلوريدا.

كل تلك الأمم المؤسسة للديمقراطية، والتي نقلناها منها، لا تفهم الديمقراطية، ولكن نواب "الإخوان المسلمين" (حدس) عندنا، السادة جمعان الحربش وأسامة الشاهين وحمد المطر، هم الذين يفهمون الديمقراطية "عدل" ولديهم مفكرو الديمقراطية الحقة ومؤلفاتهم الأشهر حولها مثل "معالم في الطريق" للمرحوم سيد قطب الذي يتنبأ فيه بسقوط كل قيم الغرب بما فيها الديمقراطية!، وكذلك فكر السلف وكتبهم في تأصيل الحريات الشخصية والعقائدية! وإنجازات اتحاد طلبة جامعة الكويت (وقود حدس في التعبئة) في ما يخص حرية البحث العلمي والتنوير عبر إقرار قانونهم الأعظم بمنع التعليم المشترك في الجامعات والمعاهد العليا!

هؤلاء هم من يتكلمون وينظّرون للديمقراطية ويطوّعونها وفقاً لأهوائهم في الكويت، وتاريخهم وأيديولوجياتهم معروفة تجاه الديمقراطية والحريات الفردية، فالحقائق تقول إنه لم يكن يوماً حق التظاهر في أعتى الديمقراطيات أمراً فوضوياً يتم في أي وقت وأي مكان وبين المنازل ووسط الأحياء السكنية، ولو فعل ذلك أحد في باريس أو لندن أو أمستردام لكان الرد تجاهه عنيفاً وقوياً بسلطة القانون وقواته المخولة تطبيقه، ولو تجرأ فرد عندهم وكتب كلمة في أحد وسائط التواصل الإلكتروني فيها تجاوز على عرق أو ديانة أو قانون قائم لذهب إلى خلف القضبان سنواتٍ طويلة ودفع غرامات مالية هائلة، هذا ما يحدث في الدول التي خلقت وصنعت الديمقراطية... فكفى تلاعباً وتغريراً يا "حدس" بالشباب في محرقة لعبتكم المصلحية العبثية.