الداو .. من جديد
إن صفقة «الداو» تتحمل الحكومة آنذاك متضامنة مسؤوليتها بالكامل، فهي دستورياً من يرسم السياسة العامة وينفذها، وهي من وقّع العقد الذي تضمن بنداً جزائياً مبالغاً فيه، وهي ذاتها من قرر إلغاءه لاحقاً بالرغم من أن موضوع الصفقة لم يكن يحتاج إلى قرار من مجلس الأمة.
عاد موضوع صفقة "الداو" الفاشلة من جديد ليحتل صدارة الأحداث المحلية بعد أن دفعت الكويت البند الجزائي البالغ 2.16 مليار دولار نتيجة لتوقيع أوَلي مثير للجدل وعلامات الاستفهام على "مذكرة التفاهم" الخاصة بالصفقة التي ألغتها الحكومة لاحقاً لحماية رئيس الوزراء السابق من الاستجواب الذي كان عدد من النواب يهددون بتقديمه؛ بالرغم من أن الحكومة آنذاك كان لديها أغلبية مريحة في مجلس الأمة.وكما ذكرنا غير مرة في هذه الزاوية فإن صفقة "الداو" تتحمل الحكومة آنذاك متضامنة مسؤوليتها بالكامل، فهي دستورياً من يرسم السياسة العامة وينفذها، وهي من وقّع العقد الذي تضمن بنداً جزائياً مبالغاً فيه، وهي ذاتها من قرر إلغاءه لاحقاً بالرغم من أن موضوع الصفقة لم يكن يحتاج إلى قرار من مجلس الأمة، وكان يفترض بالحكومة أن تقف وتدافع عن قراراتها، إن كانت متأكدة من صحتها.
إذ إننا لو سلمنا بأنه يجب على الحكومة أن تتراجع سريعاً عن قراراتها بمجرد إبداء نواب أو بعض وسائل إعلام ملاحظات أو تحفظات لما اتخذت أي حكومة في العالم أي قرار له معنى، فمن المسلّم به أنه من حق النواب ومنظمات المجتمع المدني وقوى الضغط ووسائل الإعلام أن يتخذوا الموقف الذي يناسبهم ويتماشى مع مصالحهم تجاه أي قضية، ولكن على الحكومة في الطرف الآخر مسؤولية اتخاذ القرار الذي يحقق المصلحة العامة والدفاع عنه دون هوادة أو تحمل مسؤولية التراجع عن قراراتها حتى لو أدى الأمر إلى الاستقالة. أضف إلى ذلك أن الحديث عن تحميل مسؤولية تراجع الحكومة عن قراراتها لأطراف أخرى من خلال القول إن "الكل مسؤول" سيؤدي إلى "شيوع المسؤولية" وحماية من له سلطة اتخاذ القرار، وهو الحكومة؛ لأنها المهيمنة على مصالح الدولة (الدستور مادة 123) ومن المعروف أن المسؤولية بقدر السلطة. هذا فيما يتعلق بالشق السياسي أما بالنسبة إلى الشق الجنائي فإنه من الأهمية بمكان فتح تحقيق موسع ومحايد مع ضرورة الانتباه إلى أن الإحالة إلى النيابة العامة قد تكون وسيلة سهلة لتبرئة المتهمين، خصوصاً إذا كانت غير مكتملة الأركان القانونية، ولم ترفق معها مستندات وافية ودقيقة بتهم محددة لأشخاص معينين، فكم من قضية معروفة مثل الإيداعات والتحويلات والإعلانات الانتخابية والناقلات والاستثمارت الخارجية انتهت جميعها للحفظ لعدم كفاية الأدلة أو عدم جدية البلاغ! وما يزيد الطين بلة أن حكم محكمة الوزراء يعتبر حكماً نهائياً، فإذا ما حفظ البلاغ لعدم جديته أو حفظت القضية لعدم كفاية الأدلة فإنه لا يمكن بأي حالة من الأحوال إعادة محاسبة الوزير جنائياً لأن الحكم في هذه الحالة يعتبر حكماً نهائياً غير قابل للنقض!