الأغلبية الصامتة: المزاج «عافوري»

نشر في 21-03-2013
آخر تحديث 21-03-2013 | 00:01
المزاج السياسي الكويتي «عافوري» يبدل نصف نوابه في كل انتخابات، حتى لو كانت المدة الزمنية بين المجلسين ثمانية أشهر فقط، يرفع مرشح ما إلى المركز الأول ثم ينزل فيه سابع أرض، يأخذ بالفتاوى الدينية حين تلامس هواه، وعندما تشتعل الأحقاد داخله لا يتوانى عن "ترفيع" أسقط الناس خلقاً وسيرة إلى أعلى الدرجات.
 إبراهيم المليفي "علم النفس"، أعترف بداية أني لم أدرس ذلك التخصص ولم أقرأ عنه كثيراً، ولكن على فترات متباعدة شدتني القراءة في بعض موضوعاته، وفي الفترة الأخيرة أحسست بأن هناك روابط قوية بين نوعية الخطاب وردود الأفعال عليه، بين الحدث وطريقة التعاطي معه في حينها، وبين حدث مشابه يحصل في اليوم التالي، ولكن يتم التعاطي معه بصورة مختلفة، لماذا يقبل الناس بشغف على صنف أو موسيقى أو سلوك معين ثم ينقلبون عليه وكأنه ألدّ الخصام؟

ربما في العمل التجاري يبدو الأمر أكثر وضوحاً، فعلم النفس هو الذي أرشد أصحاب المطاعم إلى خدمة التوصيل إلى المنازل مع أن الطعام متوافر في الثلاجات، ومن يريد وجبة ما يستطيع بسيارته جلبها إلى المنزل، المسألة ببساطة وبدون رتوش هي أن الكويتي يحب "الدلفري"، والمطعم الذي يعاند المزاج الكويتي خاسر أو محدود الأرباح، وحتى المطعم الشهير إياه الذي لا يوفر خدمة التوصيل إلى المنازل تمركز في المواقع التي تسحب سيارات الزبائن نحوه دون أن يشعروا بأي تعب.

في الحياة العامة هناك وصف قديم للطبع الكويتي في التفاعل مع الأشياء الجديدة وهو "الهبة"، وتعني التعلق بأمر ثم التخلي عنه، نجدهم أي الكويتيين يستوطنون "جميعاً" مجمعاً تجارياً محدداً ويزحفون إليه من كل حدب وصوب، ولا يشتكون من الازدحام أو طول المسافة إليه، وبعض رواد "الهبة" تظهر عليهم علامات الاستقرار الأبدي فنجده لا يقرأ جريدته المفضلة إلا في أحد مقاهي بيته الجديد، ولكن ما إن يفتتح مجمع آخر حتى تنسحب كافة الحشود دفعة واحدة، ولو سألت أحدهم عن المجمع السابق لرد عليك بالمقولة الذهبية "حده قديم".

نأتي الآن إلى علم النفس في السياسة المحلية، فمن الواضح جدا أنه لا الحكومة ولا القسم الأكبر من معارضي مرسوم الصوت الواحد درسوا أنماط السلوك الكويتي في العمل السياسي، وألخصها بالمزاج السياسي الكويتي، ربما فهموا أنه مزاج متقلّب متحرك لا يخضع لقواعد ثابتة، ولكنهم لم يعرفوا بعد طريقة استمالته معظم الأوقات ولمختلف القضايا.

المزاج السياسي الكويتي "عافوري" يبدل نصف نوابه في كل انتخابات، حتى لو كانت المدة الزمنية بين المجلسين ثمانية أشهر فقط، يرفع مرشح ما إلى المركز الأول ثم ينزل فيه سابع أرض، يأخذ بالفتاوى الدينية حين تلامس هواه، وعندما تشتعل الأحقاد داخله لا يتوانى عن "ترفيع" أسقط الناس خلقاً وسيرة إلى أعلى الدرجات.

 المزاج الكويتي "أقشر" يمسك بالصغيرة ويكبرها، ويتجاهل الكبيرة كأنها لم تكن، ولا يتفاعل مع أصحاب النصيحة الخالصة حتى تقع الكارثة وتنتهي.

الحكومة وهي عندي الأهم لأنها صاحبة القرار التنفيذي والمهيمنة على مقدرات البلاد ومصالح العباد، لا تقرأ معطيات الساحة بشكل صحيح لأنها بعيدة عن الواقع ولا تعرف بالضبط أين تقف مستويات الغضب الشعبي، أو حجم المشاكل التي تغذّي المشاعر السلبية تجاه الحكومة.

معسكر المعارضة يعاني هو الآخر نفس المشكلة في جانب طريقة الحشد وتعبئة الناس، فمفردات خطاب المعارضة تخاطب جمهوراً غير موجود في الكويت، ربما يصلح لـ"تثوير" الجماهير في أميركا اللاتينية ولكنه بالتأكيد لا يناسب المزاج الكويتي الذي يحتاج إلى قضية كبرى مثل "الإيداعات والتحويلات" حتى يشتعل ويتداعى لساحة الإرادة لأنه نفسه في العمل الميداني قصير، وبغير ذلك فالمزاج السياسي الكويتي مكتف "بالتحلطم" في الدواوين و"بقرصاته" التاريخية في صندوق الانتخابات التي أذهلت المراقبين بوزنها ودلالاتها.

back to top