«اليورو»... زواج «كاثوليكي» سيئ وتكاليف الطلاق مرتفعة

نشر في 25-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 25-02-2013 | 00:01
No Image Caption
من المفترض أن يكون الاتحاد النقدي بين دول اليورو زواجاً نقدياً «كاثوليكيا» لا رجعة فيه. حتى وإن كان زواجاً سيئاً، فسيظل هناك احتمال لأن يبقى الاتحاد فترة أطول مما اعتقد كثيرون؛ لأن تكاليف الطلاق مرتفعة جداً.
نعم، تم خفض مخاطر حدوث أزمة فورية. لكن لايزال بقاء «اليورو» غير مؤكد. وما دام هذا صحيحاً، لاتزال توجد إمكانية لتجدد التوتر.

أفضل مؤشر على الثقة التي تم إحياؤها هو انخفاض الفروق بين أسعار الفائدة في السندات السيادية في الدول الضعيفة وسندات الخزانة الألمانية. وكانت الفروق الإيرلندية، على سبيل المثال، 205 نقاط أساس فقط يوم الاثنين، حيث انخفضت من 1125 نقطة في يوليو من عام 2011. وتبلغ الفروق البرتغالية 465 نقطة أساس، بينما بلغت حتى الفروق اليونانية 946 نقطة أساس، بعد أن كانت 4680 نقطة في مارس من عام 2012. في حين تم النزول بالفوارق الإيطالية والإسبانية إلى مستويات منخفضة نسبياً تبلغ 278 و362 نقطة أساس، بالترتيب.

يكمن وراء هذا التحسن ثلاث حقائق: أولها رغبة ألمانيا في الحفاظ على منطقة اليورو مكتملّة وفي حالتها الأصلية. وثانيها اعتزام الدول الضعيفة الالتزام بالسياسات التي يطالب بها الدائنون. وثالثها اتخاذ البنك المركزي الأوروبي قراراً بإعلان مبادرات جريئة، مثل عملية إعادة تمويل أطول أجلا معززة وتعاملات نقدية مباشرة من أجل ‹›السندات›› السيادية، على الرغم من معارضة ‹›بندسبانك››.

كل هذا يمنح المضاربين رحلة مجيدة. ومع ذلك فهذه ليست نهاية القصة. إذ من المفترض أن يكون الاتحاد النقدي زواجا نقديا ‹›كاثوليكيا›› لا رجعة فيه. حتى وإن كان زواجاً سيئاً، سيظل هناك احتمال لأن يبقى الاتحاد لفترة أطول مما اعتقد كثيرون؛ لأن تكاليف الطلاق مرتفعة للغاية.

زواج سيئ

لكن الرومانسية السيئة لاتزال هشة، على الرغم من كون تكاليف التفريق كبيرة. ومنطقة اليورو مثال لزواج سيئ. فهل يمكن أن تصبح زواجاً جيداً؟

 الزواج الجيد هو ذلك الذي سيراهن عليه الزوجان مرة أخرى، حتى وإن كان لديهما خيار البدء من جديد. وبالتأكيد، سيرفض أعضاء كثيرون فعل هذا اليوم، لأنهم يجدون أنفسهم داخل كابوس من البؤس والنوايا السيئة.

في الربع الرابع من العام الماضي، كان مجموع إجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو لايزال 3 في المئة، أقل من الذروة التي وصل إليها في فترة ما قبل الأزمة، بينما كان إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة مرتفعاً عن ذلك بنسبة 4.2 في المئة. وفي الفترة نفسها كان إجمالي الناتج المحلي الإيطالي في مستويات شُهِدَت آخر مرة في عام 2000، ومنخفضا بنسبة 6.7 في المئة عن الذروة التي وصل إليها قبل الأزمة.

كان إجمال الناتج المحلي في إسبانيا أقل بنسبة 3.6 في المئة من الذروة التي وصل إليها قبل الأزمة، بينما وصل معدل البطالة بها إلى 26 في المئة. وكل النظم الاقتصادية التي ضربتها الأزمة، باستثناء إيرلندا، كانت في تراجع على مدار أعوام.

والاقتصاد الإيرلندي راكد أساساً. وحتى إجمالي الناتج المحلي في ألمانيا كان فوق الذروة التي وصل إليها قبل الأزمة بنسبة 4.1 في المئة فقط، وأضعفت قوة التصدير فيها التدهور الذي أصاب شركاءها التجاريين الأساسيين.

إذا كان جميع أعضاء منطقة اليورو سيقبلون مرة أخرى بسعادة اليوم، فهذا يعني أنهم مسالمون للغاية. وليس من المؤكد ما إذا كانت ألمانيا نفسها أفضل حالاً حقاً في الداخل: نعم، لقد أصبحت مصدّرة بطلة وهي تدير فوائض خارجية كبيرة، لكن الأجور الحقيقية والدخول تم قمعها.

إدخال إصلاحات

وفي الوقت نفسه، يتناسل النسيج السياسي في الدول التي أصابتها الأزمة. لقد ابتُلي الدائنون والمدينون على حد سواء بالغضب في الداخل والاحتكاك في الخارج.

ماذا يجب أن يحدث، إذاً لتحويل هذا الزواج السيئ إلى زواج جيد؟ يوجد في الإجابة عنصران، هما: التحكم من أجل استعادة التعافي الاقتصادي بأسرع ما يمكن، وإدخال إصلاحات تجعل تكرّر الكارثة غير وارد. والاثنان متصلان احدهما بالاخر، فكلما أصبحت الصحة أطول أجلاً وأكثر ترجيحاً، كان الشفاء اليوم أسرع.

ويوجد في العودة إلى الصحة الاقتصادية ثلاثة مكونات متصلة بعضها ببعض، وهي شطب الديون الموروثة من الماضي التي لا يمكن دفعها، وإعادة التوازن، وتمويل اختلالات الحاضر. وخلال التفكير في مدى النجاح الذي سيحققه كل هذا، افترض أن المشاركة في المخاطرة والتحويلات المالية المرتبطة باتحادات نموذجية لن تحدث في منطقة اليورو.

وسينتهي الحال بمنطقة اليورو أكثر اندماجاً من ذي قبل، لكن أقل اندماجا بكثير من أستراليا، أو كندا، أو الولايات المتحدة.

 وفيما يتعلّق بشطب الديون، سيكون قدر أكبر مما حدث مع اليونان ضروريا. وعلاوة على ذلك، كلما زاد حجم فرض عبء التكيف على الدول المتضرّرة من الأزمة من خلال الأسعار والأجور التي تنخفض، كان العبء الحقيقي للدين أكبر وكم الديون التي يُطالب بشطبها أكبر.

شطب الديون

من المحتمل أن تكون حالات شطب الديون لازمة لكل من «الكيانات» السيادية والبنوك. ومقاومة التسليم بهذا قوية للغاية. لكنها قد تكون عديمة الجدوى.

وربما تكون الرحلة نحو التكيف والنمو المتجدد أهم، فهي ستكون صعبة وطويلة. افترض أن النظم الاقتصادية الإسبانية والإيطالية بدأت تنمو بنسبة 1.5 في المئة في العام، وهو ما أشك فيه.

سيستغرق الأمر مع ذلك فترة حتى عامي 2017 أو 2018 قبل أن تعود إلى الذروة التي وصلت إليها قبل الأزمة، وهو ما يعني فقدان عشرة أعوام. وعلاوة على ذلك، فإنه من غير الواضح أيضاً ما الذي سيدفع إلى مثل هذا النمو، فالعرض المحتمل لا يضمن وحده الطلب الفعلي. السياسة المالية انكماشية، من غير المرجح أن تشهد الدول التي تعاني بروزا في دين القطاع الخاص، مثل إسبانيا، انتعاشاً في الإقراض، والاقتراض، والإنفاق في القطاع الخاص. سيكون الطلب الخارجي ضعيفا، ويعود هذا إلى حد كبير إلى أعضاء كثيرين يتبنون سياسات انكماشية في الوقت نفسه. لأسباب ليس أقلها أنها بعيدة عن التأكد من أن تنافسية الدول المتضررة من الأزمة تتحسن بشكل حازم، باستثناء حالة إيرلندا، كما أوضحت مؤسسة «كابيتال ايكونوميكس» في مذكرة حديثة.

وفي الواقع، يشير الدليل إلى أن التنافسية الإيطالية الخارجية تزداد سوءًا، بالمقارنة بألمانيا.

نعم، انكمشت عجائز الحساب الخارجية، لكن يرجع كثير من هذا إلى حالات الركود التي عانتها.

في الوقت نفسه، يتطلب التمويل الذي يأتي من البنك المركزي الأوروبي، على الرغم من كونه كافيا لمنع انهيار مفاجئ إلى داخل إعسار الكيانات السيادية الضعيفة، والبنوك المرتبطة بها، تشديدا ماليا سريعا.

وتعتبر النتائج كئيبة. وفي خطاب حديث للوزراء، دان اولي رين، نائب رئيس المفوضية الأوروبية المسؤول عن الشؤون الاقتصادية والنقدية، شكوك صندوق النقد الدولي الأخيرة بشأن المضاعفات المالية باعتبارها «غير مفيدة».

وأنا أعتبر هذا مؤشرا على حساسيات مشددة، فبدلاً من الإصغاء إلى نصيحة مستشار حكيم في شؤون الزواج، رفضتها السلطات على الفور.

استمرار المشاكل

ويجب أن يكون هؤلاء الذين يظنون أن مشاكل منطقة اليورو أصبحت جزءًا من ماضيها الآن، يفترضون إما وجود انعطاف جذري اقتصادي غير عادي أو استعداد لدى أولئك الواقعين في فخ حالات الركود العميقة للاستمرار في فعل ما يقومون به رغم الصعوبات، عاما بعد عام قاتم. ولا يبدو أي افتراض منهما معقولا على الإطلاق. وعلاوة على ذلك، فإن التوقعات الخاصة بإصلاحات مرغوبة أطول أجلاً: اتحاد مصرفي وتعزيز المشاركة في المخاطر– تبدو بعيدة تماما. ومن المرجح أكثر بكثير وجود اتحاد مؤسس على تكيف انكماشي من جانب واحد.

هل ستعيش المجموعات في سعادة إلى الأبد أم سيستمر هذا الاتحاد في أن يتسم بوجود خلافات لا يمكن حلها؟ تبدو الإجابة واضحة، على الأقل بالنسبة لي. إذا كان الأمر كذلك، فإن هذه القصة الحزينة لا يمكن أن تكون قد انتهت.

back to top