الأغلبية الصامتة: شيوخ زوايا العتمة
أحوال الكويت مع الأسف من سيئ إلى أسوأ، الكويت التي لن ننشغل عنها بحروب الشماتة أو التصفيات الشخصية، لقد كنا على مفترق طرق أواخر شهر سبتمبر الماضي عندما حسمت المحكمة الدستورية جدالنا الطويل، فاختارت الحكومة الطريق الوعر الذي نسير جميعنا فيه.
تركوه وكأنه لقيط لا أب له، نبذوه وهو الحمل الوديع ذو الأجنحة الملائكية، ما الذي جرى؟ وكيف انقلبت الحال من مجلس حقبة "التشريعات الذهبية" كما بشرنا الوزير الفاهم محمد العبدالله إلى مجلس حقيبة "الاستجوابات الذهبية"؟ وكيف ابتلع الرئيس علي الراشد كلامه ووعوده بتأجيل أدوات "التشميخ" حتى بداية دور الانعقاد القادم إلى "التشميخ جاهز حالاً"، شيء ما حصل في الزوايا المعتمة وجعل التمتع بلقب رئيس مجلس أمة سابق على سبيل المثال "فضلا ونعمة" من رب العالمين.الزوايا المعتمة الآن هي نفسها الزوايا التي لا يأتينا منها سوى البلاء والخراب، وهي نفسها التي أرغمت على الخروج من المشهد وتريد العودة إليه بأي ثمن، وما صمتها وانزواؤها خلف تلال الخيبة نهاية العام الفائت إلا فرصة لإعادة ترتيب الأوراق وتجنيد المماليك "الدينارية" لمعركة الإزاحة والوثوب.
الزوايا المعتمة لم تجد في اندفاع السلطة نحو "توضيب" الساحة السياسية سوى راحة من تكبد المزيد من الخسائر والجروح، ولأنها تعرف أكثر من غيرها أن "تلحين الكلمات على الموسيقى أصعب من تلحين الموسيقى على الكلمات" أمر شبه مستحيل، تخيلوا لوهلة شاعرا تُفرَض عليه ألحان جاهزة، ويطلب منه تأليف كلمات "تركب" عليها، فإن الأوضاع المصطنعة التي نعيشها لن تستمر طويلا فقد حان وقت تحريك المماليك. لقد لعبت ثلاثة احتمالات مستجدة وغير مطروحة حتى اليومين الماضيين، غير انتظار حكم المحكمة الدستورية في مصير المجلس الحالي، في قلب معسكر نواب مجلس الصوت الواحد رأسا على عقب: الاحتمال الأول، هو تفعيل المادة 106 المتعلقة بتعطيل جلسات مجلس الأمة لمدة شهر، وهنا سيصطلي بعض النواب بنار الحيرة بكيفية التعامل مع هذا الجمود المريب، فهو إن سكت حتى إبطال المجلس فقد ذهب نسياً منسياً، وإن تحول إلى غوغائي فلا حكومة تقف أمامه حتى يحاسبها ويستعرض أمامها عضلاته أو حتى يستفيد منها، ولا طريق أمامه غير النزول للشارع!! وعصيان مبدأ "السمع والطاعة".الاحتمال الثاني، وهو حل مجلس الأمة الحالي والعودة إلى نفس النظام الانتخابي أي الصوت الواحد، هذا الاحتمال كلفته عالية جداً على السلطة بالدرجة الأولى؛ لأنها ستجد من الذين شاركوا وقدموا الدعم لها من "الناس" تحديداً من سيشعر بالسأم والملل من "الجرجرة" مجدداً لانتخابات مكررة وأكاذيب واهنة. الاحتمال الثالث، وهو إجراء تعديل وزاري موسع أو قبول استقالة الحكومة وتكليف رئيس الحكومة بإعادة تشكيلها، لو حدث ذلك فسيواجه الرئيس المكلف حقيقة لا مناص منها، وهي أن من سيقبل العمل معه، وهو يعلم أن مهمته قد لا تستغرق سوى أقل من شهر، لن يكون غير "عوير وزوير" من المتسلقين والانتهازيين أو المغصوبين الذين لا حول لهم ولا قوة. تلك هي أحوال الكويت مع الأسف، من سيئ إلى أسوأ، الكويت التي لن ننشغل عنها بحروب الشماتة أو التصفيات الشخصية، لقد كنا على مفترق طرق أواخر شهر سبتمبر الماضي عندما حسمت المحكمة الدستورية جدالنا الطويل، فاختارت الحكومة الطريق الوعر الذي نسير جميعنا فيه، وعندما "غرزت" بمجلس التنمية والتشريعات الذهبية، نزع شيوخ زوايا العتمة "بشوتهم" ودخلوا الملعب كل على رأس حاشيتهم ومماليكهم الجدد والقدامى.