مناطحة الجبال

نشر في 28-03-2013
آخر تحديث 28-03-2013 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي يحكى أن رجلاً من إحدى المدن قد ضاق ذرعاً بما وصلت إليه حاله من ضيق اليد، في حين أن هناك كثيرين من أقرانه قد بلغ بهم الثراء حداً لا يوصف، فجلس يفكر ولسان حاله يقول كما قال الشاعر صالح النصرالله:

ناس أرغدوا وأثروا وهم مستريحين

                                           واللّي شقوا ما حصلوا إلا الهبني

وبعد تفكير عميق قرر أن يهاجر إلى مدينة أخرى، فحمل كل ما يملك وهو قليل وسار في طريق طويل حتى اعترضه جبلٌ يلامس الغيوم ارتفاعاً ويسد الأفق اتساعاً، فوقف ينظر إليه وهو في حيرة من أمره... فماذا عساه يفعل ليعبر هذا الجبل الشامخ؟

في تلك الأثناء مرَّ عليه رجل حكيم فسأله الرجل: بالله عليك يا حكيم هلا أرشدتني إلى طريقة أستطيع أن أعبر بها هذا الجبل إلى الجهة الأخرى منه. نظر إليه الحكيم قائلاً: بل أمامك أربع طرق تستطيع بها تجاوز هذا الجبل؛ الأولى، أنك تقوم بالدوران حوله، وهذا يتطلب منك وقتاً وجهداً وقد لا تستطيع، أما الطريقة الثانية، فهي أنك تقوم بتسلقه وهذا أيضا يحتاج منك وقتاً وجهداً وقد لا تتمكن من ذلك. أما الطريقة الثالثة، فهي أنك تزيله من طريقك بضربة برأسك والنتيجة معروفة. أما الطريقة الرابعة، فيمكنك أن تستند إليه وتستظل بظله وهذا ما سأفعله أنا.

نظر الرجل إلى الجبل وقد خُيِّل إليه أنه يزداد ارتفاعاً واتساعاً ونظر إلى الحكيم وقد جلس مستسلماً مستنداً بظهره إلى الجبل، وقد امتد ظله إلى ما لا نهاية فلم يحتج الرجل إلى الكثير من الوقت والتفكير، فحمل ما يملكه وعاد أدراجه إلى مدينته.

إنها قصة رمزية استقيتها من واقع الحياة ذات مغزى ومعانٍ كثيرة والسعيد من يقرأ ما بين السطور.

لقد كان لطبقة التجار في الكويت دور تاريخي فى نشأة الدولة قبل ما يزيد على ثلاثة قرون، وفي كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية حتى الدينية، وقد تطور هذا الدور وأخذ تنظيماً رسمياً، وذلك بقيام "غرفة التجارة والصناعة" بهذا لدور، ولكن ذلك لم يوافق الهوى عند البعض، فانبرى عدد من الكتّاب وأعضاء مجلس الأمة السابقين والحاليين لمواجهة الغرفة والطبقة الداعمة لها في محاولة للنيل من دورها التاريخي... ونصيحتي للجميع الاستماع إلى نصيحة ذلك الرجل الحكيم، كما أتمنى ألا يمارس أعضاء مجلس الأمة الحالي نفس الدور الذي كان يمارسه أعضاء ما يسمى "بالأغلبية المبطلة"، ولا أعرف إن كانت هذه التسمية مدحاً أم ذماً... أتمنى ألا يحاول أحد اللعب بعواطف المواطن ومشاعره، فقد مللنا كثرة الحديث والوعود واختراع البطولات والانتصارات وتقمص شخصية "دون كيشوت".

ونأتي إلى قانون إسقاط فوائد القروض أو المنح التى يتردد الحديث عنها، فأنا على يقين بأن المواطن لن يقوم بدفنها في حديقة منزله إن كان لديه منزل أو يحولها إلى حسابه فى الخارج بل ستعود إلى مكانها المعهود.

من ناحية أخرى، فقد حذر بعض الخبراء الاقتصاديين من أنه في حال الاندفاع نحو إسقاط فوائد القروض وإعطاء المنح والمكارم والكوادر- ونحن هنا لسنا فى مجال الدفاع عن ذلك- فإنه سيأتي يوم لن تستطيع الدولة تسديد رواتب الموظفين و"راح يحوشنا ما حاش" بعض الدول، ونعود إلى البحر علماً أن اليابان لم تترك لنا مجالاً للاستفادة من اللؤلؤ!

والسؤال: هل مبالغ المنح ستؤدي إلى خرق سفينة الاستثمارات الخارجية، وصندوق الأجيال القادمة، والاحتياطي العام للدولة، والفوائض المالية السنوية التي تتجاوز أحياناً 20 مليار دينار، والتي تجمعت على مدى خمسين عاماً وأكثر، ولم يستغل منها للتنمية إلا نسبة ضئيلة جداً، علماً أن هناك معلومة تفيد بأن إنتاج أول بئر في حقل برقان لا يزال بنفس كمية إنتاجه منذ حفره... إذن ما الضرر من استخدام مبلغ متواضع لرفع معاناة ما بين 60 و70 ألف مواطن؟

ونقول لمن يسعى إلى العدالة، فبعيداً عن العاطفة فإن رفع المعاناة عن كاهل أي مواطن يعتبر عدالة، فهذه هي الفزعة التي تعلمناها من الأجداد بعيداً عن الحقد والحسد كفانا الله شرهما.

أما الحفاظ على المال العام، فيمكن للدولة توفير أكثر من 30% بتخفيض موظفي الدولة دون أن يتأثر العمل بل ربما يتحسن، فعلى سبيل المثال ذهبت إلى إحدى الوزارات، وأخذت الرقم وجلست أنتظر دوري، نظرت إلى صالة العمل وعدد الموظفين الذي يتكون من اثنين من الشباب الكويتي مهمتهما "فقط" إعطاؤك الرقم، ثم ثلاث شابات كويتيات مهمتهن "فقط" لصق الطوابع وختمها، ثم خمسة موظفين من جنسية عربية لإنهاء المعاملات التي تتطلب كتابة سطرين للتوقيع عليها.

ملاحظة مهمة:

إن وضع أي خلل تحت المجهر لا يعني تكسير المجاديف بقدر ما يعني إبداء وجهة نظر قد تساعد في تلافي ذلك الخلل.

دعاؤنا دائماً بأن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top