الهاجس الأمني أو الهوس الأمني أضحى الشغل الشاغل للحكومة ومجلس "الحريات وتغليظ عقوبة الغمز واللمز" الذي عقد يوم أمس جلسة سرية لمناقشة الوضع الأمني، الذي أصبح هماً يشغل المجتمع ويؤرقه... وقد طالب مواطنون ومواطنات من خلال عريضة بفرض "الأمن الاجتماعي" وضرورة "المحاسبة الفورية لكل مَن تسوّل له نفسه العبث به، ومنها المسيرات غير المرخصة والتظاهرات العشوائية وإثارة الشغب التي تثير الرعب والخوف وتزعزع الأمن والاستقرار" حسب ما جاء في العريضة. ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها: ما هو مفهوم الأمن الاجتماعي؟ وهل يتحقق الأمن بالتصدي للحريات وقمع التجمعات السلمية وحق التعبير عن الرأي، وهي حقوق مكفولة دستورياً وديمقراطياً وإنسانياً؟ وهل يمكن ضمان الأمن الاجتماعي عبر هدر قيم الحرية الحامية له؟ وهل كانت التجمعات السلمية سبباً في هذا الاحتقان والغليان أم أن الحكومة هي المتسببة في الفوضى والتدمير الذاتي الممنهج على مدى سنوات عجاف؟ وهل نعي دروس التاريخ للأمم الآمنة المستقرة التي لم تذُق طعم الأمان والاستقرار والازدهار إلا حين حوّلت المفهوم الحديدي الصدئ لـ"أمن الدولة" إلى المفهوم الحديث لـ"أمن الإنسان" ليشمل كل ما يتعلق بالتنمية البشرية والإنسانية من أمن تعليمي وثقافي، وأمن صحي وبيئي، وأمن سياسي واجتماعي، وأمن شخصي وقانوني وعقائدي؟، أما تهديد المواطنين بالضربة الحديدية فهو الأمر الذي يهدد الأمن الاجتماعي وليس العكس، فهل يمكن تحقيق دولة آمنة دون تحقيق إنسان آمن متحرر من التهديدات التي تتعرض لها حقوقه وحرياته؟! وهل يمكن تحقيق تلك الدولة الآمنة وسط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها البدون والشباب الذين "يجرجرون" ويعتقلون ويدفعون الكفالات بسبب آرائهم؟ أهكذا يتحقق الأمن الاجتماعي المزعوم؟! وهل يمكن تحقيق الأمن الاجتماعي بالقبضة الأمنية بدلاً من معالجة التردي الخطير لمستوى التعليم في الكويت الذي جاء في مراكز متدنية جداً عالمياً كما جاء في تقرير الأسبوع الفائت للكاتب محمد البغلي؟ وهل يمكن تحقيق الأمن الاجتماعي دون معالجة مشاكل التفكك الاجتماعي التي وردت في الدراسة الميدانية للدكتور شفيق الغبرا عن التماسك الاجتماعي في الكويت؟ إذ يقول د. الغبرا: "من غير الممكن أن نفهم التماسك الاجتماعي إلا في ظل علاقته بحيادية الدولة تجاه المكونات الثقافية والدينية والفئوية التي يتكون منها المجتمع... وهذا بطبيعة الحال ينعكس على عدالة القانون وتطبيقه وعلى بنية الحقوق وسلوك الأجهزة الأمنية تجاه المواطنين، وعلى التعليم والمناهج والتعيينات والترقيات والكفاءة".

Ad

توظيف أجهزة الأمن لملاحقة واعتقال "كل من تسول له نفسه" المعارضة أو التعبير عن رأيه أو التجمع السلمي هو بعيد كل البعد عن التفكير الاستراتيجي لترسيخ أمن إنساني اجتماعي شامل يبدأ بالإنسان لينتهي إلى الدولة، وإن أردنا دولة آمنة فعلينا أن ننفض الغبار عن تلك العقلية البدائية القديمة التي لا تقدم حلولاً ولا معالجات، بل تأتي بنتائج عكسية في المحصلة. وها هي الاتفاقية الأمنية الخليجية التي أقرّها رؤساء الدول الخليجية تأتي برمالها المتحركة لتكرّس تلك العقلية التي كستها الأتربة، فتفاصيل بنودها حسب ما كشفها الكاتب داهم القحطاني في مدونته -في حال أُقرّت من المجلس- سترسخ الدولة الأمنية على حساب الحريات والأمن الإنساني تحت شعار "الوحدة الإقليمية والمصير الواحد المشترك" الذي ستعززه الاتفاقية الأمنية لمواجهة شعوبها، التي لا تشكل مصدراً للسلطات، درءاً لخطرها الداخلي! مصيرنا واحد... وشعبنا واحد.