مرعبٌ فعلاً هذا العنف الدامي الذي بات يجتاح القاهرة وعدداً من المدن المصرية الأخرى، وهذا يدل على أنَّ الشارع المصري لايزال مأزوماً، وأن الأمور بعد رحيل حسني مبارك ونظامه لاتزال على ما كانت عليه، وأنَّ كل ما جرى هو مجرد استبدال نظام شمولي فاسد بنظام جديد على رأسه محمد مرسي لكن قراره بيد المرشد الأعلى محمد بديع، فالمؤشرات التي تجسدت حقائق خلال العامين الماضيين دلَّت على أنَّ هذا النظام أكثر شمولية واستبداداً، وأنه سيكون إنْ لم تكن هناك مراجعة جدية سريعة أكثر فساداً من كل الأنظمة التي سبقته من عهد فاروق وأجداده إلى العهد الجمهوري الذي استطال لنحو ستة عقود متلاحقة.

Ad

والمشكلة التي أدخلت مصر في هذا النفق المظلم، هي أن ثورة السادس والعشرين من يناير2011 لم تُسْتَكْمل، وأنها تحولت إلى ثورة مبتورة عندما تمكن الإخوان المسلمون، بمنطلقاتهم وتوجهاتهم واستقتالهم للوصول إلى الحكم بأي ثمن، من اختطافها من ميدان التحرير والشروع مباشرة وبسرعة لإعادة "تفصيل" هذا الحكم على مقاسهم وحدهم فقط بدون أيٍّ من الشركاء الذين اصطفوا إلى جانبهم في معركة الانتخابات الرئاسية التي أسقطت أحمد شفيق لحساب محمد مرسي، الذي لايزال يتصرف وفقاً للدائرة الإخوانية الضيقة ولم يرتقِ إلى مستوى رئاسة دولة بحجم الدولة المصرية ومكانتها التاريخية المتواصلة.

لم يُعطِ أهل النظام المصري الجديد، الذي اختُطف من ميدان التحرير اختطافاً في لحظة اهتزت فيها معادلة موازين القوى بتواطئ أميركي واستسلام المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت التلويح بسيف الترهيب والترغيب، لأنفسهم الوقت الذي يعطيهم فرصة رؤية الأمور في مصر الجديدة على حقيقتها، فهم تكالبوا على السلطة وعلى الحكم تكالب الأكلة المتضورين جوعاً على "القصعة" وهم في حقيقة الأمر، وهذا يجب أن يقال لهم من قبيل النَّقد البنَّاء، قد ساروا بالنسبة لهذه المسألة على الطريق الذي سارت عليه كل الأحزاب الشمولية التي حكمت بالحديد والنار في العديد من الدول العربية.

إنّ هذه مسألة، أمَّا المسألة الأخرى فهي أن مصر عندما حانت لحظة التغيير والثورة كانت بالفعل فيها قوى مدنية نشيطة وفاعلة، وكانت فيها تيارات ليبرالية وعلمانية بقيادة كفاءات وطنية لا يمكن التشكيك فيها ولا المس بوطنيتها، لكن هذه التيارات لم ترتقِ لأسباب كثيرة إلى مستوى الأحزاب المُجرِّبة البرامجية الواضحة الأهداف والتطلعات، ولذلك فإنها تركت جماهيرها تتراكض في الميادين والساحات العامة ولم تستطع التقاط اللحظة التاريخية التي لاحتْ، والتي التقطها الإخوان المسلمون الذين سارعوا لملء الفراغ وفرضوا أنفسهم فرضاً على المجلس العسكري للقوات المسلحة وعلى كل القوى الأخرى، فحولوا الحكم إلى حكم لهم لا مكان فيه لأيٍّ من الآخرين.

وكل هذا قد أوصل مصر ذات التاريخ الحافل التَّليد إلى مأزقٍ لم تصل إليه من قبل: "من مينا إلى عهد عمرو إلى عهد جمال... إلى عهد محمد أنور السادات وعهد حسني مبارك"، وحقيقة أنه أصبحت هناك مخاوف فعلية من أنْ تتفاقم الأمـور، إذا لم يبادر الإخوان المسلمون إلى خطوة إنقاذية فعلية، وأنْ يتضاعف هذا العنـف المدمر وتتسع دائرته ويتحول إلى حرب أهلية، لاسمـح الله، كالحرب الأهليـة التي حولت أفغانستان إلى ما يشبه العصف المأكول، والتي تؤرق ليل العـراق، والتي نسـأل العلي القدير ألا تنتهي الأمور في سورية العزيـزة إلى أسوأ أشكال الحـروب الأهلية.