الرجل الذي لم يصبح خليفة
من اللحظات الصعبة على أي إنسان أن يشهد حلم حياته وهو ينهار أمام عينيه، ولا يملك أن يفعل شيئاً، يصاب بالغضب بالحزن بالعصبية أو الاكتئاب، هذه الحالة تجعل القدرة على التحكم في النفس صعبة جداً، وبالتالي ينعكس كل هذا على ردود أفعاله، كانت هذه حالة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، الزعيم الوحيد الذي بدا غاضباً ومرتبكاً وتخلى عن حذره في التعليق على ثورة المصريين في 30 يونيو وبينما تحفظت دول العالم، التي لها موقف متشكك مما حدث في مصر، موقف الترقب لحين انجلت الصورة، فلم تطلق دولة على ما حدث في مصر وصف الانقلاب بشكل رسمي، حتى وإن اتخذ الإعلام فيها موقفاً محايداً، لكن على الطرف التركي قرر زعيمها المهزوز الشعبية على عكس جميع زعماء الدول الأخرى أن يتخذ موقفاً شديد العداء للمصريين، وأطلق تصريحات ضد الجيش المصري لأنه تحيز لما سماه الأقلية (هذه الأقلية التي خرجت يدور عددها حول رقم أربعين مليون مصري)، وانتقد ما سماه ازدواجية معايير الدول الغربية لعدم تسميتها ما يحدث في مصر بالانقلاب، وعدم الدفاع عن مبادئ الديمقراطية وشرعية الصندوق (من وجهة نظره)، وأعرب عن تقديره للاتحاد الإفريقي لتعليق عضوية مصر، لكنه قد يغير موقفه إذا تغير موقف الاتحاد الإفريقي كما هو متوقع بعد زيارة وفدهم لمصر مؤخراً.يبدو أن تاريخ الثلاثين من يونيو يشكل أزمة شخصية في عقل أردوغان، في مثل هذا اليوم 30 يونيو لكن في عام 1979 بعد عام واحد على تولي نجم الدين أرباكان، الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، أسقطه الجيش التركي -في رابع انقلاب له منذ عهد كمال أتاتورك- من رئاسة الوزراء، بعد أن نادى إلى التقارب مع إيران، والبعد عن "الغرب الكافر"، في هذه الفترة كانت بداية حياة أردوغان السياسية برعاية أرباكان.
بعد عدة أشهر من عزل أرباكان، وفي نفس العام ألقى أردوغان خطاباً وسط مؤيديه قائلاً: "مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا"، بسبب هذه الكلمات التي ألقاها أردوغان وسط مؤيديه سجن مدة أربعة أشهر بتهمة إثارة الفتنة والتحريض على الكراهية الدينية، كان ذلك بعد أربعة أشهر من عزل أرباكان.أدرك أردوغان أن الطريق الصحيح للتسلل إلى منطقة السيطرة على المسرح السياسي لا يمكن الوصول إليها إلا باتباع أسلوب لا يصطدم بما يقتنع الأتراك به من أن الحفاظ على مدنية الدولة أمر غير قابل للمساومات السياسية، لذلك فقد وصل إلى قناعة بأن يسلك طريقاً طويلاً ملتوياً لتحقيق هدف الوصول إلى السلطة، ووجد أن الطريقة المثلى هي تبني صورة إسلام أكثر وسطية، هذا الاختيار هو القادر على الصمود أمام جيش وضع هدفه الرئيسي التصدي لأي محاولة تغيير لهوية تركيا المدنية.وبذلك نجح في الفوز في انتخابات رئاسة الوزراء في عام 2003، وفي أول خطاب له أعلن نيته دعم ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، هذا الانضمام المستهدف كان يتطلب تأكيد الالتزام بحقوق المواطنين، وهو أمر في ظاهره يؤكد مدنية الدولة، لكن في باطنه يضمن تقليص صلاحيات الجيش. ووجد الجيش نفسه عاجزاً عن التحرك لمواجهة ما اعتقدوه خطراً على مدنية الدولة، لأنهم لو اتخذوا موقفاً مضاداً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان سيصطدم بمطلب المدنيين وحماسهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا يستطيع، وهو الذي قام بالانقلاب على أرباكان بزعم حمايتهم، أن يتخذ موقفاً يتحدى به رغبتهم.وعلى مدى السنوات العشر التالية نجح أردوغان تدريجياً في السيطرة على الحكومة والشرطة والرئاسة والمحكمة الدستورية، وأغلق المؤسسات الإعلامية المعارضة، وزج بكل صحافي معارض لنظام الحكم في السجن، وتمكن من تحقيق أهدافه لكن على مدار عشر سنوات، والأهم أنه اهتم بالاقتصاد، وحول تركيا من دولة على وشك الإفلاس إلى واحدة من الدول الأكبر اقتصاداً في العالم.ومن الواضح طبعاً أن أسلوب إدارة حلفائهم من الإخوان في مصر كان أسلوباً مغايراً تماماً، وبدلاً من أسلوب الاحتواء كان واضحاً أن الأولوية عند الإخوان في مصر هي السيطرة على جميع مفاصل الدولة في أسرع وقت ممكن مهما كانت الخسائر ودون أي اعتبارات.والسؤال هنا: لماذا يغضب أردوغان كل هذا الغضب لفشل حلفائه والشريك في عملية تمكينهم وصلب عودهم دولياً؟ الإجابة أن فشلهم الذريع قضى على حلمه لعودة الخلافة التي سقطت عام 1927 على يد كمال أتاتورك، وكما قال كاتب تركي إن "التغيرات السياسية السريعة في مصر وسورية قضت على حلم الحكومة التركية في تأسيس هيمنة استعمارية عثمانية جديدة في منطقة الشرق الأوسط".سقوط مرسي، الذي مازال ينكره السيد أردوغان، تسبب في خلق مشهد إقليمي فوضوي تبدو فيه تركيا وحدها، ويقف أردوغان محبطاً لسببين، حزنه الشديد لسقوط حلم إعادة دولة الخلافة التي في القلب منها تركيا وخليفتها السيد أردوغان، والثاني ذعره من إمكانية تكرار سيناريو محمد مرسي معه شخصياً على يد الجيش التركي، الملقب بحامي حمى المدنية، خصوصاً أن الأجواء مهيأة.