الرجل الذي لم يصبح خليفة
![عبداللطيف المناوي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1459078147207955600/1459078157000/1280x960.jpg)
بعد عدة أشهر من عزل أرباكان، وفي نفس العام ألقى أردوغان خطاباً وسط مؤيديه قائلاً: "مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا"، بسبب هذه الكلمات التي ألقاها أردوغان وسط مؤيديه سجن مدة أربعة أشهر بتهمة إثارة الفتنة والتحريض على الكراهية الدينية، كان ذلك بعد أربعة أشهر من عزل أرباكان.أدرك أردوغان أن الطريق الصحيح للتسلل إلى منطقة السيطرة على المسرح السياسي لا يمكن الوصول إليها إلا باتباع أسلوب لا يصطدم بما يقتنع الأتراك به من أن الحفاظ على مدنية الدولة أمر غير قابل للمساومات السياسية، لذلك فقد وصل إلى قناعة بأن يسلك طريقاً طويلاً ملتوياً لتحقيق هدف الوصول إلى السلطة، ووجد أن الطريقة المثلى هي تبني صورة إسلام أكثر وسطية، هذا الاختيار هو القادر على الصمود أمام جيش وضع هدفه الرئيسي التصدي لأي محاولة تغيير لهوية تركيا المدنية.وبذلك نجح في الفوز في انتخابات رئاسة الوزراء في عام 2003، وفي أول خطاب له أعلن نيته دعم ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، هذا الانضمام المستهدف كان يتطلب تأكيد الالتزام بحقوق المواطنين، وهو أمر في ظاهره يؤكد مدنية الدولة، لكن في باطنه يضمن تقليص صلاحيات الجيش. ووجد الجيش نفسه عاجزاً عن التحرك لمواجهة ما اعتقدوه خطراً على مدنية الدولة، لأنهم لو اتخذوا موقفاً مضاداً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان سيصطدم بمطلب المدنيين وحماسهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا يستطيع، وهو الذي قام بالانقلاب على أرباكان بزعم حمايتهم، أن يتخذ موقفاً يتحدى به رغبتهم.وعلى مدى السنوات العشر التالية نجح أردوغان تدريجياً في السيطرة على الحكومة والشرطة والرئاسة والمحكمة الدستورية، وأغلق المؤسسات الإعلامية المعارضة، وزج بكل صحافي معارض لنظام الحكم في السجن، وتمكن من تحقيق أهدافه لكن على مدار عشر سنوات، والأهم أنه اهتم بالاقتصاد، وحول تركيا من دولة على وشك الإفلاس إلى واحدة من الدول الأكبر اقتصاداً في العالم.ومن الواضح طبعاً أن أسلوب إدارة حلفائهم من الإخوان في مصر كان أسلوباً مغايراً تماماً، وبدلاً من أسلوب الاحتواء كان واضحاً أن الأولوية عند الإخوان في مصر هي السيطرة على جميع مفاصل الدولة في أسرع وقت ممكن مهما كانت الخسائر ودون أي اعتبارات.والسؤال هنا: لماذا يغضب أردوغان كل هذا الغضب لفشل حلفائه والشريك في عملية تمكينهم وصلب عودهم دولياً؟ الإجابة أن فشلهم الذريع قضى على حلمه لعودة الخلافة التي سقطت عام 1927 على يد كمال أتاتورك، وكما قال كاتب تركي إن "التغيرات السياسية السريعة في مصر وسورية قضت على حلم الحكومة التركية في تأسيس هيمنة استعمارية عثمانية جديدة في منطقة الشرق الأوسط".سقوط مرسي، الذي مازال ينكره السيد أردوغان، تسبب في خلق مشهد إقليمي فوضوي تبدو فيه تركيا وحدها، ويقف أردوغان محبطاً لسببين، حزنه الشديد لسقوط حلم إعادة دولة الخلافة التي في القلب منها تركيا وخليفتها السيد أردوغان، والثاني ذعره من إمكانية تكرار سيناريو محمد مرسي معه شخصياً على يد الجيش التركي، الملقب بحامي حمى المدنية، خصوصاً أن الأجواء مهيأة.