فيديو طريف انتشر عبر "الواتس آب" لمذيع في إحدى القنوات يغطي مظاهرة في القاهرة، ويلتقي خلالها بطفلين، فيسألهما بداية عن سبب وجودهما فيجيبانه بأنهما موجودان للمطالبة بتطبيق شرع الله! فيسألهما عن صلة القرابة بينهما لتأتي إجابتهما التي تدخل المذيع في حالة توهان، يقول الأول: "هو المفروض يبقى عمي وخالي" يرد الثاني: "أمه قريبتي وأبوه قريبي" المذيع: "ثواني عشان أفهم... الموضوع من الأول تاني إنتوا تقربوا لبعض إيه؟" يجيب الأول: "أنا خاله وعمه من ناحية أمه وأبوه.. أمه وأبوه يقربولي" المذيع: "يعني إنت أخو أبوه وأخو أمه؟" يأتيه الرد: "لا مش أخو أبوه وأمه، أمه وأبوه ولاد خالي، دي بنت خالتي وده ابن خالي"، يقترب طفل ثالث منهم فيسألهم المذيع: "وده يبقى مين؟" فيجيبانه: "ده ابن جوز أختي، ابن أخو خالي" المذيع بعد أن داخ ولم يفهم شيئاً: "يلا يا عم يلا.. دا انتو عيلة غريبة بجد"!

Ad

هذان الطفلان اللذان لا يعرفان ما هي صلة القرابة بينهما تحديداً، يعرفان، ويا للعجب، أن حل كل مشاكل مصر تكمن في تطبيق الشريعة!

وقبل أيام وصلت إلى هاتفي رسالة يقول مرسلها الذي لا أعرفه:

"خطب يومية يؤديها كوكبة من أصغر دعاة العالم كالطفل الداعية "مسلم سعيد"... اشترك مع خدمة علماء المستقبل واحصل على أسبوع مجاني... السعر 500 فلس بالأسبوع"!

ولأن فكرتي عن الدعاة أنهم عريضو المنكبين، كثيفو اللحى، ذوو أصوات جهورية ونظرات مهيبة، أردت أن أعرف ما حكاية هؤلاء الدعاة الصغار "علماء المستقبل" الذين تدعوني الرسالة للاشتراك في خدمتهم الدعوية المباركة؟ كم تتراوح أعمار هذه "الكوكبة" من العلماء؟ ومتى تعلموا حتى يعلّموا الناس؟! ومن هذا "المسلم السعيد" الصغير يا ترى؟!

بحثاً عن الإجابة ذهبت إلى موقع اليوتيوب وبحثت عن "مسلم سعيد" لأشاهد عدداً من المقاطع لطفل في السابعة أو الثامنة من عمره يتكلم بحماسة عن الكفار والفجار، وكيف يذوقون عذاب السعير في النار! خطبة "ببغائية" طبق الأصل لما "يبشرنا" به بقية الدعاة الكبار بمفرداتهم المكررة وعباراتهم التي حفظناها عن ظهر قلب!

وكنت أحسب من طريقة الإعلان أن الطفل نابغ أو عبقري، فاتضح لي أن الأمر لا يعدو أن يكون "تحفيظا" يتم من خلاله استغلال طفولته هو وبقية الكوكبة من أجل إثراء من يستغلون براءتهم ويضيعون طفولتهم في مواضيع الجنة والنار، وهي مسائل تخص الكبار وحدهم!

ولعلكم تتذكرون قبل شهور في الكويت، أيام هوجة المسيرات في المناطق السكنية كيف تم استخدام الأطفال لأغراض سياسية، وشاهدنا كيف تم تحريضهم لكسر القانون ومقاومة رجال القوات الخاصة بقذفهم بالحجارة والصعود فوق مركباتهم وحمل العصي تأهباً لضربهم! ثم سألوا أحد منظمي تلك المسيرات في لقاء تلفزيوني عن ذلك الأمر فقال إنه "يفتخر" بأن هناك في الكويت أطفالاً بمثل هذا "الوعي" السياسي العالي!

"كلام فاضي" طبعا، فالأطفال أطفال لا أقل ولا أكثر، لا يدركون ولا يعلمون إلا أقل القليل، ولذلك هم بحاجة إلى رعاية آبائهم ومدرسيهم وكل من حولهم من الكبار ليتعلموا منهم ويدركوا معاني الأشياء والأفكار، لذلك حين يرتكبون الخطأ لا نحاسبهم عليه محاسبة الكبار، ولذلك أيضاً، أمر الله بدخولهم الجنة إن ماتوا صغاراً دون حساب، وتجار السياسة والدين يدركون ذلك تماماً، لكنهم لا يتورعون لحظة عن المتاجرة بهم واستخدامهم أبشع استغلال لأجل مكاسبهم الخاصة، لذلك كثر "النشطاء السياسيون" ممن لم يتجاوزوا الثانية عشرة من أعمارهم، وظهرت "كوكبة الدعاة" ممن لم يبلغوا العاشرة في أمة ضحكت منذ قرون، وما زالت، من جهلها الأمم!