المفترض أن تجرى غداً (السبت) انتخابات برلمانية (تشريعية) في إقليم كردستان العراق، وبالطبع فإنها ليست الانتخابات الأولى منذ أنْ غدا هذا الإقليم ينعم بالحكم الذاتي على أساس الصيغة الفدرالية (الاتحادية) في بلاد الرافدين، لكن ما يميزها، أي هذه الانتخابات، أنها ستجرى وهذا البلد، باستثناء شماله، يعيش أوضاعاً مرعبة بالفعل، بعودة أجواء العنف الطائفي الذي ساد في عامي 2006 و2007، وهذه المنطقة كلها تمر بأخطر ما مرت به منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب الكونية الأولى.
كان ياسر عرفات (أبوعمار)، رحمه الله، يتغنى بما كان يسميه "ديمقراطية غابة البنادق"، وحقيقةً فإنه لم تكن هناك لا ديمقراطية بنادق ولا يحزنون، وأن كلَّ ما في الأمر أن الثورة الفلسطينية اختلفت عن باقي الثورات العربية والعالمية في أنها مع طول الوقت شكلت مجتمعاً متعايشاً وفي حالة رحيل دائم باستمرار، وأنَّ فصائلها التي بلغ عددها، في وقت من الأوقات أكثر من عشرين تنظيماً، كانت تحل مشاكلها بالطرق العشائرية وباللجوء دائماً وأبداً إلى حركة "فتح" باعتبارها "الشقيقة" الكبرى والأقدر والأكثر استقلالاً عن تأثيرات المحاور العربية الرسمية، وباعتبارها صاحبة الرصاصة الأولى وقادتها الرواد الأوائل الذين يحظون باحترام زملائهم في الفصائل الأخرى.هناك تجربة مماثلة لهذه التجربة، وهي أنَّ القيادة "البرزانية" في عهد الملا مصطفى البرزاني وفي عهد (كاك) مسعود بقيت تشكل المظلة الوطنية والمظلة القومية للحركة الوطنية الكردية كلها، وبقيت، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، تشكِّل الوعاء الأبوي الذي يستوعب الجميع والذي يشارك، دائماً وأبداً، في الغُرم أكثر مما يشارك في الغُنم، وحقيقةً فإن هذا شكّل رافعة لتجربة الحكم الذاتي لكردستان العراق الذي حقق على مدى نحو عشرين عاماً إنجازات بمستوى إنجازات العديد من بعض الدول الخليجية وربما أكثر.ولهذا فإن "ديمقراطية البنادق الفعلية الكردية" هي التي ستتجلى غداً السبت في أبهى وأجمل أشكالها، حيث هناك تنافس حقيقي بين حزب القيادة البرزانية التاريخية، الحزب الديمقراطي، والأحزاب الأخرى القديمة، حزب الاتحاد الوطني- جلال طالباني، والمستجدة التي أفرزتها مسيرة وتجربة العقدين الأخيرين وأهمها حزب حركة التغيير!والمؤكد أن الحزب الديمقراطي، هذا الذي هو بمنزلة حركة "فتح" في التجربة الفلسطينية، والذي هو رائد الحركة الوطنية الكردية، والذي قيادته هي قيادة هذه الحركة سابقاً في البدايات أيام العسرة والضنك والتشريد و"الكيماوي" -حلبجة- ولاحقاً والآن، سيحقق في انتخابات غدٍ السبت فوزاً لن يكون فوز الاستفراد وإقصاء الآخرين كما جرت العادة في الأحزاب الحاكمة العربية -حزب البعث- بل فوزَ المشاركة والمنافسة الشريفة والنظيفة التي تُغْني المسيرة وتُشعِر الآخر بوجوده وبكونه رقماً فاعلاً في المعادلة السياسية.وهكذا فإن ما جرى في إقليم كردستان العراق على مدى العشرين عاماً الماضية، وما يجري الآن وسط كل هذه العواصف والزلازل التي تضرب العراق وتهز هذه المنطقة هزاً عنيفاً، يؤكدان أن "الدولة القومية"، التي يستحقها هذا الشعب العظيم الذي جعلته اللعبة الدولية موزعاً هو وأرضه بين دول متعددة، ستكون بمستوى أهم الدول الديمقراطية في العالم... وهنا لابد من التحذير من أنَّ حزب العمال الكردستاني- التركي، بتجربته وبعلاقاته ببعض دول الإقليم وبأطروحاته ومواقفه، يشكل عقبة كأداء في طريق هذا الحلم الجميل... هذا إنْ لم يبادر إلى مراجعة مسيرته ويغير الكثير من توجهاته وأساليب عمله!
أخر كلام
مسيرة واعدة يقودها البرزاني!
20-09-2013