الدول الفقيرة ومشكلة الناتج المحلي الإجمالي
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
ويلاحظ جيرفين أن العديد من الدول الإفريقية لديها مشكلة في قياس حجم اقتصادات الكفاف والأنشطة الاقتصادية غير المسجلة الكبيرة نسبياً لديها. فكيف يتسنى لك أن تضيف إلى حساباتك إنتاج المزارع الذي يأكل ما يزرعه؟ وإذا كنا ننتقص من قيمة زراعة الكفاف على نحو منتظم، فإن بعض ما يبدو وكأنه نمو مع انتقال اقتصاد ما من نظام الكفاف قد لا يعكس سوى تحول نحو شيء يسهل تسجيله إحصائياً.وهناك مشاكل أخرى ترتبط ببيانات الناتج المحلي الإجمالي لدى الدول الفقيرة. على سبيل المثال، لا تقوم أغلب الدول في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا بتحديث بياناتها بما فيه الكفاية عادة. لذا فإن أرقام الناتج المحلي الإجمالي لديها قد تغيب عنها قطاعات كبيرة وسريعة النمو من الاقتصاد، مثل الهواتف المحمولة. فعندما قامت غانا بتحديث بياناتها قبل بضع سنوات، قفز ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 60%. ولكن العديد من الناس لم يفهموا أن هذا كان مجرد شذوذ إحصائي، وليس تغيراً حقيقياً في مستوى معيشة أهل غانا. وبالإضافة إلى هذا، هناك عدة طرق لحساب الناتج المحلي الإجمالي، ومن الممكن أن تسفر عن نتائج مختلفة إلى حد كبير. ويذكر جيرفين ثلاث طرق: مؤشرات التنمية العالمية التي ينشرها البنك الدولي (وهي إلى حد بعيد مجموعة البيانات الأكثر استخداماً)؛ و"جدول بين العالمي"، الذي تنشره جامعة بنسلفانيا؛ ومشروع ماديسون في جامعة غرونينغين، الذي يستند إلى عمل الاقتصادية الراحلة أنغوس ماديسون. تعتمد هذه المصادر على نفس البيانات الأساسية، ولكنها تعدلها بطرق مختلفة لمراعاة التضخم وغير ذلك من العوامل، ونتيجة لهذا فإن ترتيبها لاقتصادات البلدان المختلفة قد يأتي متبايناً إلى حد كبير. فليبيريا على سبيل المثال هي ثاني أفقر دولة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، أو سابع أفقر دولة، أو الدولة الثانية والعشرين، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، اعتماداً على الهيئة التي تستشيرها. ولا يقتصر الاختلاف على الترتيب النسبي فحسب، ففي بعض الأحيان قد يظهر أحد المصادر أن دولة ما تنمو بعدة نقاط مئوية، ويظهِر مصدر آخر أنها انكمشت على مدى نفس الفترة الزمنية. ويستشهد جيرفين بهذه التناقضات لكي يبرهن على أننا لا نستطيع أن نجزم بما إذا كان الناتج المحلي الإجمالي لإحدى الدول الفقيرة أعلى من دولة أخرى فقيرة، وأننا لا ينبغي لنا أن نعتمد على الناتج المحلي وحده في إصدار الأحكام حول أي السياسات الاقتصادية تقود إلى النمو. ولكن هل يعني هذا أننا لا نعرف حقاً أي شيء حول ما قد ينجح (وما قد لا ينجح) في تحقيق التنمية؟ كلا، على الإطلاق، فقد استخدم الباحثون لفترة طويلة تقنيات مثل دراسات المسح الأسري الدورية لجمع البيانات. على سبيل المثال، يتم إجراء المسح الديموغرافي والصحي بشكل منتظم لتحديد أمور مثل معدلات الوفاة بين الأطفال والأمهات، وعلاوة على ذلك، يستخدم خبراء الاقتصاد تقنيات جديدة مثل خرائط الأقمار الصناعية لمصادر الضوء لمساعدتهم في تقدير النمو الاقتصادي. ورغم أن مثل هذه الطرق ليست مثالية، فإنها أيضاً ليست عُرضة لنفس المشاكل المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي.وهناك طرق أخرى غير مثالية بنفس القدر لقياس مستويات المعيشة الإجمالية في دولة ما؛ ولكنها رغم ذلك تقدم بعض الطرق الإضافية لفهم الفقر، فتستخدم طريقة تسمى مؤشر التنمية البشرية الإحصاءات الخاصة بالصحة والتعليم بالإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتستخدم طريقة أخرى، مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد، عشرة مؤشرات، بما في ذلك التغذية والصرف الصحي والقدرة على الحصول على وقود الطهي والمياه. ومن خلال استخدام معامل القوة الشرائية، الذي يقيس تكاليف نفس السلة من السلع والخدمات في دول مختلفة، يستطيع خبراء الاقتصاد تعديل الناتج المحلي الإجمالي بحيث يتعرف بشكل أفضل على مستويات المعيشة. ولكن من الواضح في نظري برغم ذلك أننا نحتاج إلى تكريس المزيد من الموارد للتوصل إلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي الأساسية الصحيحة، وكما يزعم جيرفين، فإن الهيئات الإحصائية الوطنية في أنحاء إفريقيا المختلفة تحتاج إلى المزيد من الدعم حتى يتسنى لها الحصول على بيانات أكثر دقة، ويتعين على الحكومات المانحة والمنظمات الدولية مثل البنك الدولي أن تفعل المزيد لمساعدة السلطات الإفريقية في إنتاج صورة أكثر وضوحاً لاقتصاداتها. ويتعين على صانعي السياسات الأفارقة أن يكونوا أكثر صرامة في المطالبة بإحصاءات أفضل واستخدامها في اتخاذ القرار بناءً على الاطلاع والمعرفة الأوفر.أنا من أكبر أنصار الاستثمار في الصحة والتنمية في أنحاء العالم المختلفة، وكلما كانت الأدوات المتاحة لنا لقياس التقدم أفضل، كان بوسعنا أن نضمن وصول هذه الاستثمارات إلى الناس الأكثر احتياجاً إليها.* بيل غيتس | Bill Gates ، الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا غيتس.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»