النقد الأدبي الجديد

نشر في 12-03-2013
آخر تحديث 12-03-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي شكّل عام 2011 منعطفاً كبيراً في تاريخ الأمة العربية، فلقد خرجت الشعوب العربية بدء بهذا العام لتقف بوجه الدكتاتوريات الحاكمة، تنادي بالحرية وتضحي من أجلها لحين سقوط هذه الدكتاتوريات، إن هذا الحدث المزلزل أثر في جميع مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذا كانت التغيرات السياسية وانعكاسها على الوضع الاجتماعي واضحة وجلية، فإن هناك حيوات كثيرة بقيت تحت السطح، تتفاعل بهدوء لتلبس ثوبها الجديد بعيداً عن الضجة.

ومؤكد أن الحياة الثقافية هي واحدة من أهم الحيوات التي راحت تتشكل بناء على ما أفرزته الثورات العربية، لتفرز عوالمها الجديدة الإبداعية والثقافية والفنية، وربما كان النقد العربي من أكثر الأجناس الأدبية تأثراً بالثورات الشعبية العربية.

لقد ظلت أسماء بعينها مسيطرة على ساحة النقد العربية وتحديداً خلال العقدين الأخيرين، مما جعل قراء العربية يتابعونها لتقول كلمتها الفصل في النتاج الإبداعي الجديد، خاصة في الرواية والقصة وربما الشعر. وإذا ما أضيف إلى ذلك أن هذه الأسماء تحولت في العقدين الأخيرين لتصبح المسؤولة عن منح جوائز المسابقات الأدبية في مختلف الدول العربية بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، فهذا يظهر مدى السلطة التي توفرت لتلك الأسماء، واحتكارها للفعل النقدي وتوزيعها لصكوك النجاح على هذا وذاك، خاصة وأن علاقات صداقة ومصالح مشتركة ربطت بينها.

لقد أشرت في مقالات كثيرة سابقة، إلى أن الثورات العربية، مثلما كنست عروشاً سياسية وعسكرية، فإنها ستكنس أسماء كثيرة كانت تشكل وجوهاً متواطئة معها، ومن جملة هذه الأسماء تأتي الأسماء النقدية العربية، التي ظلت لعقود تحتكر الكلمة الفصل في النتاج الإبداعي. ولأن الثورات العربية أوجدت واقعاً حياتياً جديداً فإن هذا الواقع سيفرز رموزه الجديدة، في الإبداع وتالياً في النقد.

إن المتابع للصفحات الثقافية في الجرائد العربية، التي كانت تمثل الحضور الأوضح لتلك الأسماء، يرى أنها بدأت تنسحب من تلقاء نفسها عن الأنظار، وأن أقلامها الناعقة بدأت تتوارى عن ساحات النقد، بسبب إدراكها لانتهاء زمنها، مما جعلها تعمل بمكر وخبث لتأخذ مكانها الخفي في لجان تحكيم الجوائز العربية، والخليجية تحديداً.

إن عهداً عربياً جديداً آخذ بالتشكل، يتطلب بالضرورة أسماء نقدية جديدة، تكون أصدق في تقييمها للنتاج العربي الإبداعي، وتكون أقدر على التواصل مع رموزه، بعيداً عن الوصاية والفوقية التي كانت تلك الأسماء البائسة تمارسها. وربما يمثل هذا تحدياً حقيقياً للصفحات الثقافية العربية في بحثها عن أسماء نقدية جديدة لتقديمها للقارئ العربي، وإعطائها الفرصة لتكون حلقة الوصل بين المبدع العربي، والقارئ.

إن انشغال الإنسان العربي بمجريات الأحداث السياسة العاصفة التي تمر بها بلدانه جعلته خلال السنتين الماضيتين وسنتنا الجارية وربما السنوات القليلة القادمة، بعيداً عن الاهتمام والمتابعة للنتاج العربي الإبداعي، فمن يواجه القتل والموت والتشريد لا يعود بقادر على الالتفات إلى الشعر والقصة والرواية والمسرح واللوحة التشكيلية والفيلم السينمائي. لكن هذا الانشغال بالمصير العربي، سيفرز عوالمه الإبداعية الجديدة، وستكون تلك العوالم الأقدر على تسجيل الملاحم الحقيقية التي يسطرها الإنسان العربي، ومؤكد أن هذا النتاج يحتاج الى أسماء نقدية جديدة، تكون أقدر على تمثله والوقوف إلى جانبه، وتقدره بشكل موضوعي يرتكز على الأسس الفنية لا على المصالح الشخصية الضيقة.

لقد بات على دول مجلس التعاون الخليجي عبر مؤسساتها الثقافية وهيئات جوائزها مسؤولية كبيرة، لاستقطاب الأسماء النقدية العربية الشابة والجديدة، والكف عن الاعتماد على الأسماء النقدية القديمة التي هيمنت على الساحة الثقافية العربية لعقود وآن الأوان لزحزحتها وإغلاق الأبواب في وجهها بغية التخلص من سطوتها البائسة.

back to top