القاصة غادة قدري: التدوين بوابتي السحرية
دخلت غادة قدري عالم الأدب من بوابة القصة القصيرة، وكانت مجموعتها القصصية «المغتربة» جواز دخولها هذا العالم الإبداعي، وتقول إن القصة القصيرة قادرة على إيصال الفكرة بشكل مختصر ومكثف عن الرواية، وهي فن كتابي يحتاج إلى المهارة والتركيز والحضور. التقتها «الجريدة» وكان الحوار التالي.
كيف ترين مجموعتك القصصية «المغتربة»، وماذا حققت؟
أعتبرها صدفة جميلة في حياتي. لم أكن أفكر في النشر حتى أقنعني المقربون مني بضرورة الظهور والخروج بعمل أدبي. ترددت كثيراً في البداية، ولكن قربي وصداقاتي مع عالم الأدباء الشباب في مصر غيرا نظرتي، فقررت في خلال 24 ساعة أن أجمع ما كتبته خلال السنة في مجموعة «المغتربة». الحقيقة أن الأخيرة حققت لي تواصلاً واسعاً مع الأدباء، خصوصاً أنها شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب، كذلك شكلت لي مساحات غير منتهية وحفزتني للاستمرار في الكتابة وعززت في داخلي تحدياً لأتطور لأنني ما زلت أشعر بأن «المغتربة» لا ترضيني.هل جاءت «المغتربة» نتيجة معاناة مررت بها؟بالتأكيد. «المغتربة» عنوان مجازي يعكس معاناة مع الاغتراب في العالم، وليس غربة الابتعاد عن الوطن فحسب. يشغلني كثيراً خواء العالم من المعاني النبيلة والسلوكيات الحميدة والبروتوكولات الأنيقة والمثل الأخلاقية العليا التي تاهت وسط زخم المدينة. أشعر بالاغتراب عن حياة لا تقدس معاني الحرية والولاء والانتماء والوطن.ماذا قدمت لكِ المدونات، وهل انعكس ذلك على كتاباتك؟كان التدوين بمثابة البوابة السحرية التي من خلالها تم اكتشافي. كنت أتابع مدونات الآخرين ويتابعون كتاباتي ومن خلال المدونة نشأت جسور التواصل مع عدد كبير من الأدباء والكتاب من المشرق والمغرب، ومن خلال التدوين اكتشفني أحد الصحافيين المهتمين بالأدب أحمد أمين عرفات، وهو أستاذي الفاضل الذي ما زلت أكن له جميع معاني التقدير والاحترام والامتنان، وقد مد لي يد العون في المجيء إلى القاهرة، حيث عملت في الصحافة ثم ظل يدعمني حتى خروج أول مولود لي «المغتربة».هل ترين أن القصة القصيرة قادرة على إيصال الفكرة التي يريدها الكاتب والتفاعل مع القراء؟القصة القصيرة قادرة على إيصال الفكرة بشكل مختصر ومكثف وسريع عن الرواية لأنها قصيرة ومركزة جداً، فضلاً عن أنها سهلة التناول بالنسبة إلى القارئ الذي أصبح على عجالة دائماً وليس لديه الوقت لقراءة التفاصيل، خصوصاً في الوقت الحاضر الضيق والمليء بالمهام.يقول البعض إن مزاج القارئ العربي أصبح سياسياً أكثر منه أدبياً بسبب الثورات العربية، هل يستمر هذا طويلا وهل يؤثر على الأدب والكتاب الأدبي؟صحيح. يبحث الجميع عن ضالته بين الكتب والمقالات السياسية، خصوصاً أننا لم نكن على وعي أو ثقافة سياسية طوال الحقبة الزمنية السابقة، فأصبح الشباب والقراء يتجهون نحو الكتب السياسية وكتب التاريخ لمساعدتهم على فهم الواقع السياسي الذي تسير فيه البلاد، وهذه ليست حال القارئ فحسب إنما أيضاً الكاتب الذي تأثر بالمناخ المحيط ورصد تجربته ومشاهداته عن الثورة وهي تجربة قوية جداً، لا أعتقد أن كاتباً لم يتأثر بها.العمل الذي لا يحتوي على ذاكرة يموت سريعاً، فإلى أي مدى تحرصين على وجود الذاكرة في كتاباتك؟الذاكرة مهمة في العمل لأنها بمثابة رصد وسجل مستقبلي عن واقع الحياة التي نعيشها الآن بكل أحداثها ووقائعها. بالنسبة إلي، لا أعتبر أن الحرص ضروري على ذاكرة العمل، لأن طبيعة العمل الأدبي وأحداثه هي التي تفرض نفسها لا أنا.ما هي الأسماء الأدبية التي أثرت طروحاتها على فكرك وكتاباتك؟تأثرت جداً بنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس إلى جانب يوسف زيدان وأحلام مستغانمي، البرتو مورافيا، تشارلز ديكنز، وليم شاكسبير، والكاتب المميز جداً محمد إسماعيل علي رحمه الله، وأعتقد أنه أفضل من كتب عن التجارب الإنسانية، وأسماء كثيرة لا تحضرني الآن. كذلك أشير إلى حبي ودراستي للفلسفة وقراءاتي لمحاورات أفلاطون وسقراط وتأثري بوجودية مارتن هايدغر وفريدرك نيتشه وعقلانية المفكر الفرنسي ديكارت وإمانويل كانط أول من دعا إلى السلام حول العالم. إلى أي مدى تعتبرين المرأة قادرة على إيصال أفكارها، وما هي العوائق التي تواجهها في العمل الأدبي؟أصبح صوت المرأة اليوم مسموعاً ولديها الفرص الكثيرة لتعتلي المنابر وتكتب وتتكلم، ولكن أكثر ما تواجهه الأديبة من عوائق محاولة تلصص الآخرين عليها من خلال عملها، واتهامها دائماً بأنها بطلة أعمالها، وهذا ليس صحيحاً.هل تؤمنين بالنقد وتأخذين به؟بالتأكيد. النقد مهم جداً لأنه يسلط الضوء على إيجابيات العمل الأدبي وسلبياته، وهو ما يجعلني ألتفت إلى نقاط الضعف وأحاول تطوير كتاباتي كي أتجاوز النقص في الكتابات المقبلة.هل حققت لكِ الكتابة كل ما تحلمين به؟إلى حد ما حققت لي الكتابة بعضاً من الرضا النفسي عندما وجدت حفاوة وترحيباً من القراء بالكتاب، لكني ما زلت غير راضية، وكنت أتمنى الأفضل، إضافة إلى ذلك أرى أن الساحة الأدبية الآن ممتلئة بالأقلام النسائية الشابة الكثيرة والتي تفوقت على نفسها، فثمة كاتبات كثيرات جدا يملأن الساحة الأدبية، أبرزهن: أحلام مستغانمي، سهير المصادفة، هالة البدري، غادة السمان، نادية كيلاني، سناء البيسي، صافيناز كاظم، وإقبال بركة.يقول البعض إننا في زمن الرواية لأنها طغت على الألوان الأدبية الأخرى، كيف ترين ذلك؟لا أعتقد ذلك، لأن الأدب يشمل الرواية وهي لون مختلف عن القصص القصيرة وعن الشعر والمقال، ولكل فن أدبي خصائصه وقواعده. لا أعتقد أن ثمة زمناً لكل لون أدبي، فالمكتبات عامرة بشتى صنوف الأدب وألوانه.كيف ننهض بالثقافة والأدب العربي؟عبر الاطلاع على تجربة الآخر، إضافة إلى دور الدولة وقصور الثقافة في دعم الكتاب والثقافة والذي ما زلنا نفتقد فاعليته في تطوير الحركة الثقافية ودعمها، خصوصاً في مدن مصر البعيدة وصعيدها. بالنسبة إلى الكاتب، ثمة أربعة روافد مهمة تساعده على الكتابة وهي القراءة والمطالعة والتجربة والسفر.ما هو جديدك في الفترة المقبلة؟ثمة مشاريع عدة أفكر فيها بالنسبة إلى الكتابة ما بين مجموعة قصصية وعمل روائي، لكني لم أستقر بعد على أي منها.نبذةغادة قدري كاتبة اسكندرية تعمل في مجال الصحافة والإعلام، بدأت الكتابة الإبداعية من خلال المدوّنات ثم اتجهت إلى العمل الصحافي. نُشر لها كتاب «لحظة انتظار» ضمن الكتاب الجماعي «حكايات»، ثم أصدرت مجموعتها «المغتربة»، وتضمّ قصصاً اجتماعية وعاطفية ومواقف إنسانية واقعية، كذلك تناقش بعضاً من القيم المفقودة، حيث تبحث الكاتبة عن آلية لإعلاء المُثل العليا، وتهدف إلى نشر قيم الحق والخير والجمال لأجل عالم مثالي، ليس في كتب الفلسفة فحسب وإنما على أرض الواقع.