على مدى السنوات السبع الماضية، استمر أعضاء مجلس الأمة في توريث الفصول التشريعية ملف قروض المواطنين وفوائدها، وهي مدة شكّل الملف خلالها مادة انتخابية خصبة تجذب لحامله الأصوات، إلا أنه لم يصل إلى نهاية رغم التقارير البرلمانية المتعددة التي صدرت في هذا الشأن، ولم تتوقف المقترحات النيابية رغم تكرار الحكومة رفضها لمثل تلك المقترحات.

Ad

وفي الوقت الحالي، تتداول اللجنة المالية البرلمانية مقترحاً بتأسيس "صندوق الأسرة"، هدفه شراء مديونيات المواطنين وتسديدها كاملة للجهات المصرفية، على أن يسدد المواطن أصل القرض إلى الدولة دون فوائد، أي ينتقل قرضه من البنك إلى الدولة.

وحتى الآن، لم تحسم الحكومة موقفها "النهائي" من المقترح رغم الإشارات الإيجابية التي أطلقها نائب رئيس الوزراء وزير المالية مصطفى الشمالي تجاه "التعاون لحل الأزمة" وليس "الحلول المطروحة" حالياً، بينما تسعى اللجنة المالية البرلمانية إلى طي هذا الملف نهائياً عبر "مقترح الزلزلة" كما أسماه رئيس مجلس الأمة علي الراشد، نسبة إلى مقدمه رئيس اللجنة المالية النائب د. يوسف الزلزلة.

وصندوق الأسرة، الذي ينتظر موعداً لاجتماع حكومي- نيابي مشترك غداً الأحد لبحث التفاصيل، اصطدم مبكراً برفض نيابي لفكرته تحت ذريعة غياب العدالة والمساواة باعتباره لا يشمل جميع شرائح المقترضين، ويقتصر على فئة محددة ما بين يناير 2002 إلى مارس 2008، أي أن ما يريده النواب فتح أبواب الصندوق لشرائح أكبر، ما يعني زيادة الكلفة المالية للمشروع، وهو ما تعارضه الحكومة.

ويبدو أن حجة النواب الرافضين للقانون، غياب العدالة والمساواة، صحيحة من نواحٍ إضافية أخرى، يأتي على رأسها استبعاد المقترضين من البنوك الإسلامية من الصندوق لأنها لا تأخذ فائدة على القروض بل ما يسمى "مرابحة"، وهي عملية بيع وشراء بين الطرفين لا تملك الحكومة أو اللجنة المالية الدخول طرفاً فيها بقانون بأي شكل من الأشكال.

ولا تقف مسألة العدالة هنا عند حدود الأفراد، بل تمتد إلى المؤسسات المصرفية التي ستجد نفسها في موقف لا يحمل العدالة والمساواة في التعامل الحكومي معها، إذ إن البنوك التقليدية ستكون الخاسر الأكبر في هذا القانون، بينما البنوك الإسلامية في مأمن من المساس بأرباحها الناتجة من القروض.

أما المعضلة الأخرى، وهي كيفية التعامل مع من سدد قرضه خلال الفترة من يناير 2002 إلى مارس 2008، فمن التزم بالسداد يكون دفع أصل الدين والفائدة، ولا يمكنه الدخول في الصندوق، ومن لم يلتزم أصبح يملك أفضلية دخول الصندوق وإسقاط الفائدة المترتبة على القرض، وهو ما يعني مكافأة غير الملتزم بالسداد ومعاقبة الملتزم، وهو ما يمثل معنى آخر لغياب العدالة والمساواة في التعامل مع الشريحتين.

وهناك نقطة أخرى لم يتطرق إليها القانون، وهي قروض المقيمين خلال الفترة التي حددها، فهل يشملهم القانون أم أنه للمواطنين فقط؟ علماً بأن الفائدة المستقطعة على القروض واحدة سواء للمواطن أو المقيم، وبالتالي فإنه من عدم العدالة والمساواة حصر القانون في فئة دون أخرى بسبب الجنسية.

ولعل السؤال الأهم في هذا الصدد، كيف يمكن تحقيق العدالة بين من اقترض ومن لم يقترض؟ وقد تكون الإجابة عبر مكرمة أميرية كما يحاول النواب التسويق لها، إلا أن هذا التوجه أيضاً يفتقر إلى العدالة والمساواة، فإذا حصل اليوم مَن لم يقترض على ألف دينار، فهناك في المقابل مَن دفعت له الحكومة عشرات الآلاف وأسقطت عنه عشرات أخرى!

والقضية تحمل شقاً اقتصادياً لا يقل أهمية عن الشق السياسي، وشقاً اجتماعياً لا يقل أهمية عن الشقين مجتمعين، بل يأتي على رأسهما، كما أن هناك شقاً دستورياً وقانونياً لا يمكن تجاوزه إذا ما تجاوزنا الجوانب السابقة.

وقد يمثل صندوق الأسرة خطورة بالغة على الأسرة إذا ما أقر ودخل المقترضون في تسويات معه ومع البنوك الدائنة، إذ إنه معرض للطعن عليه في المحاكم لفقدانه شروطاً دستورية، ما قد يترتب عليه إلغاؤه، وبالتالي فإن الجهاز الحكومي والمصرفي، فضلاً عن المقترضين، سيكونون في أزمة معقدة جداً لإعادة الوضع كما كان عليه قبل القانون.

إن الباحث عن العدالة والمساواة في ملف القروض كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، ولعل خطورة هذا الملف وكيفية التعامل النيابي معه ستنعكسان بصورة سلبية جداً على الدولة والمواطنين، فهل تكون الوعود الانتخابية الشعبوية أهم من مستقبل الكويت والمواطن؟