يجد كثر صعوبة في تقبّل رؤية رجل وهو يبكي. يحلل أطباء النفس أسباب هذا النوع من الصراعات باعتبارها ناجمة عن طريقة «التواصل الثقافي» بين المرأة والرجل. يحصل ذلك التواصل في جو إيجابي عموماً، لكن سرعان ما يتغير الوضع عند مواجهة مواقف محرجة ومؤثرة. ما من مشكلة عند الشعور بالسعادة والحب والمرح. لكن في ما يخص المشاعر السلبية، مثل الغضب والحزن أو الشعور بالذنب، يعبّر كل شخص عن حالته وفق ثقافته أو لغته العاطفية الخاصة! ومن المعروف أن تلك الثقافة ليست متشابهة لدى المرأة والرجل. ما سبب هذا الاختلاف في اللغة العاطفية؟ لا تتعلق المشكلة فعلياً بطبيعة الرجل (أي هرمونات التستوستيرون التي تزداد عند كل صبي منذ مرحلة مبكرة وتعزز عدائيته ورجولته وتكبت دموعه ومشاعره) بل بالثقافة المكتسبة من الأهل.

Ad

 تتأثر تلك الثقافة بالنماذج السائدة في كل مجتمع، فيقول البعض إن البكاء للفتيات بينما يحق للرجل أن يغضب ويثور حصراً!

كيف يكتسب الفتيان لغة العاطفة؟

يكتسب كل شخص في لاوعيه المعيار العاطفي السائد من حوله. تكسب المرأة ثقافة عاطفية فائضة بينما يكتفي الرجل بتعلّم القيم القديمة عن «الرجولة»: الغضب، العدائية، الكبت. بالتالي، يكون المجال مفتوحاً أمام المرأة كي تعبّر عن أحاسيسها بينما تنغلق جميع الأبواب العاطفية أمام الرجل.

 يُمنع على الفتيان منذ سن مبكرة أن يعبّروا عن مشاعر الخوف لأن الرجل الحقيقي يجب أن يكون شجاعاً! في بعض الأحيان، يجب ألا يُظهر الرجل غضبه أيضاً، مع أن الغضب سمة «رجولية»، بل من الأفضل أن يكبت انفعالاته بشكل كامل. هكذا يبدو الرجل مخدّراً ومجرّداً من المشاعر. يكبت البعض دموعهم خلال مراسم دفن الأقارب ولكنهم قد يشعرون بألم غير مبرر في المعدة.

يكون جميع هذه التجارب الشخصية والمكتسبات الثقافية كفيلة بتطوير الدماغ المعرفي لدى الرجل (والمرأة) طوال العمر، ويكون ذلك الدماغ الجزء الذي يحدد طريقة التعبير عن المشاعر والمعيار العاطفي المناسب.

خوف من انهيار «الرجولة»

يُضاف إلى النموذج الأبوي طريقة ممارسة السلطة في مكان العمل حيث يحصل «كبت عاطفي» هائل. لا يمكن أن يظهر رجل الأعمال بصورة الشخص العاطفي والحساس لأن البعض يسخر من عواطف الرجل المفرطة. يكون المديرون عموماً «مشلولين» من الناحية العاطفية وينجم سلوكهم عن الحاجة إلى متابعة السيطرة على الوضع لخوض الصراعات أو عقد المفاوضات. هكذا يتبنى الموظفون السلوك نفسه الذي يميّز بين المرأة والرجل في قطاع العمل. يُعتبر ذرف الدموع في مكان العمل تحديداً مؤشر ضعف وقد يؤدي إلى ابتعاد الزملاء عن الشخص العاطفي لأنه لا يستحق برأيهم الاحترام ولا يتحمّل على ما يبدو ضغوط الحياة.

انطلاقاً من آليات الدفاع النفسية لدى الرجل، لا بد من التساؤل: ما هي حقيقة مخاوفه؟

عملياً، يخشى الرجل أن يفقد طابعه «الرجولي» إذا بالغ في إطلاق العنان لعواطفه. كذلك، يعني الاستسلام للمشاعر فقدان السيطرة على الذات والتصرف بسلبية وبطريقة أنثوية. هذا هو الرعب الحقيقي الذي يطارد كل رجل! اعتاد الرجل منذ آلاف السنين على الحد من كلامه والتعبير عن مشاعره بالأفعال، لكن قد تتخذ هذه النزعة منحىً خطيراً حين تتحول إلى إحباط أو ميل إلى العنف.

اختفاء مفهوم «الرجولة» التقليدي

تتمثل الحالة النفسية المضطربة لدى الرجل الذي يخفي مشاعره بإنكار الواقع، وتحميل الغير مسؤولية مشاعره السلبية الخاصة، وأخذ المجازفات، والهروب... قد تبرز أنواع أخرى من الأحاسيس الدفينة مثل الحزن والخوف من الانغماس في المشاعر. في هذه الحالة، قد يشعر الرجل بالحاجة إلى «تفريغ رأسه» من أجل التخلص من تلك المشاعر أو استفزاز أي شخص لصب غضبه عليه وتفريغ طاقته. لكن بدأت ثقافة الرجولة التقليدية تفقد معناها لأن الرجل في بعض المجتمعات بات يستطيع التعبير عن أحاسيسه بالكلمات والأفعال.

 هكذا يصبح الرجل شخصاً «متكاملاً». لذا أصبحت مظاهر العدائية والغضب التي كانت مرتبطة بمفهوم الرجولة في السابق بالية اليوم!

الأطفال يفكّون عقدة الآباء       

ما سبب هذه الثورة المستجدة؟ يزداد عدد النساء اللواتي يطالبن الرجال بالتعبير عن مشاعرهم من دون خوف. تحسنت معرفة المرأة حول معنى الأبوة الحقيقية، ما ساهم في كسر القوقعة العاطفية لدى الرجال. لا يستطيع معظم الرجال إخفاء مشاعرهم تجاه أطفالهم، وتشمل تلك المشاعر الحب والفرح والحزن والغضب عند الضرورة.

يمكن أن تساهم المعالجة النفسية أيضاً في البحث عن المشاعر الدفينة بمختلف أنواعها والاعتراف بالضعف من دون الخوف من فقدان معنى «الرجولة». في السابق، كانت الأسباب التي تدفع الرجل إلى طلب مساعدة أطباء النفس تشمل الضغط النفسي وظروف العمل. أما اليوم، فقد برزت أسباب جديدة تتعلق بمعنى الوجود: العلاقة بالمرأة، الحياة، الموت...

رجال يبحثون عن مشاعرهم الدفينة

أصبحت مشاعر الرجل محور النقاشات النفسية والاجتماعية في الحياة المعاصرة. لا تتعلق العواطف بجنس الفرد بل بشخصيته. الضحك يعكس الفرح والبكاء يعكس الحزن بالنسبة إلى الجميع! بدأ الرجال يتخلصون من «أعباء» الرجولة التي كانت تكبت أحاسيسهم وتمنعهم من التواصل بصدق مع النساء. لكن تعتبر شريحة واسعة من الرجال حتى الآن أن الدموع ليست الطريقة الوحيدة للتعبير عن الحزن، ويتساءل البعض عن رأي المرأة حين تشاهد الرجل وهو يذرف الدموع.

يستنتج البعض الآخر أن الرجل يحتاج إلى الوقت كي يتقبّل التعبير عن مشاعره. إذا تعلّم الرجل أن يعبّر عن أحاسيسه بشكل أفضل وبدأ يكشف عن حزنه وتعاسته، قد تعمد المرأة إلى تقمّص سلوك الرجل والتعبير عن غضبها بأفعال عدائية. يحذر بعض علماء النفس من أن الرجال بدأوا ينفتحون على مشاعرهم الدفينة ولكن لم تنتهِ الحرب بعد!

لن تُحسَم هذه المعركة قبل أن يدرك الرجل والمرأة معاً أن العواطف هي لغة تساهم في المقام الأول في طرح السؤال الآتي: ما أهمية المشاعر؟ الجواب بسيط: لا بد من مشاركة تلك المشاعر مع الآخرين بدل استعمالها لإنشاء علاقة قوة جديدة!