ما زلت أتحسف على تلك الأسابيع التي سجنت نفسي فيها طواعية أمام شاشة التلفاز أحمل الكمبيوتر بيد والهاتف النقال باليد الأخرى أتابع أخبار مصر، وعيني على "ميدان التحرير" أو ما سميته آنذاك "ميدان الحرية" تاركاً فضاء مدينة أبردين الأسكتلندية وسحرها خلف ظهري إلا لقضاء الحاجات الضرورية.  وما زلت أذكر أيضاً ساعات الفرح التي عشتها عندما تمكن الشعب المصري من اختيار رئيسه بكل حرية، فقلت هذا انتصار سيحقق للمصريين كرامتهم، وسيلحقهم بركب الحضارة، فالثورة التي جمعت كل مكونات الشعب من مسلمين وأقباط ومثقفين وأميين وأغنياء وفقراء قادرة على ذلك، لكن الفرحة بدأت تختفي وراء رئيس جاهل لا يعرف الفرق بين امتص ومص. لا أدري هل يحق لي تسمية الثورة بالنكسة بعد أن صدمنا واقع الرئيس وأنصاره، فالفقر زاد عمّا مضى، والتعصب أضحى شعاراً للوطنية، والقانون غاب تحت عباءة الفوضى ورؤساء الجامعات يعينون بالانتخاب؟!

Ad

عفواً عنوان المقالة "حسافة عليك يا مصر" قد لا يتناسب مع الفقرات التالية لأن مصر تبقى مصر، فلم يعد يفصلنا عن الحدث الأكبر إلا أيام قليلة، وبعدها سنعرف من يستحق أن يدير شؤون مصر ومن يؤمن بالديمقراطية، ومن ذاك الذي تسلق على أكتاف الثورة فحصد تضحيات أبنائها على طبق من ذهب.

التاريخ سيسجّل حروفه من ذهب لعلماء الأزهر الشريف عبر تصديهم في بيان يعزز حرية الاعتقاد، ويحرم العدوان على حقوق المواطنين المصريين بعد أحداث قتل الشيعة، وتأكيده حرمة الدماء، وأن الإسلام والمصريين لم يعرفوا القتل بسبب العقيدة والفكر، وأن تلك الأحداث غريبة عليهم، ومن يتبنى هذا الفكر هم من الغلاة والخوارج ممن استغلوا بساطة وسذاجة بعض العوام من الناس.

علماء الأزهر الشريف تعاملوا مع الحدث من منطلق إسلامي إنساني مدني، فكانت روح وعظمة وسماحة ديننا الحنيف حاضرة في بيانهم حينما أكدوا أهمية سيادة القانون والاحتكام للعدالة في كل ما يثار من نزاع لا كدعاة الدم والفتنة ممن يعبدون الله على حرف قاتلهم، وأذلهم الله في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً". الآية (21) من سورة الأحزاب. هكذا العهد والظن بأكبر مؤسسة دينية على مستوى العالم الإسلامي التي لم تحد عن خط النبي محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وعلى آله،  فجعلته نبراساً ومنهجاً لها في التعامل مع كل أطياف المجتمع المصري.

للقلوب التي عليها غشاوة، والتي لا تؤمن إلا بالدم، أذكرهم بما وصف الله عز وجل النبي الأكرم في الآية الكريمة من سورة آل عمران "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك". والآية الكريمة من سورة القلم "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".

أخيراً: هل تعي تلك الجماعات المتطرفة سماحة ديننا العظيم فترجع إلى الحق وتتوب إلى الله، وتكف عن تشويه صورة الإسلام وعن استباحة دماء المسلمين وسائر خلق الله؟ أم على القلوب أقفالها.

ربي احفظ أهلي أهل الكويت وسائر بلاد المسلمين واحقن دماءهم وأعراضهم وأموالهم إنك قادر على كل شيء، آمين يا رب العالمين. ودمتم سالمين.