أمر غريب أن تُمنع «برسيبوليس» في مدارس شيكاغو المدينة الحداثية باعتبار أن الرواية أحدثت مشكلة في أمكنة كثيرة تسيطر عليها التيارات الأصولية من الخمينية إلى السلفية، وقالت جمعية المكتبات الأميركية إن إبعاد الرواية عن متناول التلامذة «يمثل مصادرة فظة لحقهم في الوصول إلى المعلومات، وينمّ عن فرض شكل من أشكال الرقابة». مؤلفة الرواية مرجان ساترابي نفسها قالت في حديث لصحيفة «شيكاغو تربيون» إن القيود التي فُرضت على روايتها المصورة «مخزية» ورفضت تحفظ السلطات التربوية في شأن ما سمته «صور تعذيب قوية». وتابعت: «هذه ليست صور تعذيب... والطلاب أصحاب عقول وهم يشاهدون شتى الأمور في السينما وعلى الإنترنت».

Ad

وكتاب ساترابي يصعب تصنيفه، إنه عبارة عن سيرة ذاتية مرسومة من أربعة أجزاء ويتميز بهوية خاصة، إذ تنهل المؤلفة من التراث البصري الإسلامي والفارسي على السواء وتنتمي الرواية في الآن نفسه إلى أحدث تجارب فن «الشرائط المصورة» (كوميكس) في العالم، وصدرت الألبومات الأربعة منها بين عامي 2000 و2003. كذلك حصلت الكاتبة من معرض فرانكفورت على جائزة أفضل كتاب قصص مصورة، وترجم الأخير إلى أكثر من 25 لغة، وبيعت منه ملايين النسخ.

وصوِّرت «برسيبوليس» فيلماً حاولت الرقابة منعه في بيروت قبل سنوات بحجة أنه يقترب من المقدسات، لكنه في مهرجان «كان» نال جوائر واهتماماً واسعاً. في المقابل، اعتبرت جهات سلطوية إيرانية أن الفيلم «مؤامرة إمبريالية» و{طعن للشعوب في ظهرها»، ووضعته في خانة الممنوع على اعتبار أنه معارض للسلطة الخمينية. لكن الفيلم الذي أزعج السلطة الإيرانية أكثر مما فعل الكتاب ووظَّفه الغرب في المواجهة مع طهران، عرض سرياً في صالة صغيرة في طهران وبالنسخة الأصلية التي لم تخضع للرقابة.

قضية رأي عام

لم تكن ساترابي لتحلم في أحد الأيام بأن يحصل فيلمها «برسيبوليس» على عدد من الجوائز، ليكون أحد أشهر أفلام الرسوم المتحركة التي عالجت قضية المرأة الإيرانية، ولم تكن الكاتبة تظن أنها ستصبح قضية رأي عام من بيروت حيث حاولت الرقابة منع فيلمها بسبب المد الإيراني في هذا البلد، إلى تونس حيث هاجم نحو 300 إسلامي متشدد مقر تلفزيون «نسمة» وحاولوا إحراقه إثر بثه فيلم «برسيبوليس» وتنظيمه حواراً حول التطرف الديني، واعتبروه تعدياً على الذات الإلهية.

ولدت  ساترابي في طهران عام 1969 لأبوين ناشطين سياسياً ينتميان إلى الحزب الشيوعي، وشهدت طفولتها مراحل مفصلية من تاريخ إيران وبدأت مع آخر أيام حكم الشاه وانتهت بقيام الثورة الإسلامية، عندها بدأ كل شيء يتغيّر وراحت اللحى تظهر في الشوارع ومعها أغطية الرؤوس، وظهرت معها الشرطة الدينية والقمع الفكري والتدخل في شؤون الناس الخاصة… وأصبح الناس يعيشون حياة ازدواجية. عام 1983، عندما شعر والدا مرجان بأن إيران ليست المكان المناسب لابنتهما المراهقة الجريئة، التي تعشق موسيقى الروك وصيحة «البانك»، أرسلاها تلميذة إلى فيينا لإبعادها عن الحياة في ظل ظلم نظام الحكم الجديد، وملابسات حرب الخليج الأولى، لكنها عادت بعد أربع سنوات إلى إيران حيث تلقت دراستها الجامعية في مجال التواصل البصري داخل كلية الفنون، وفي سنة 1994 هاجرت مجدداً إلى فرنسا.

لم تكن ساترابي تفكر في سرد حياتها في شريط مصور، لولا الصدف التي جمعتها بدافيد ب عام 1994 في فرنسا، حيث اختارت أن تستقر. ودافيد ب أدخلها إلى عالم «الشرائط المصورة» البديلة، ومثلما سرد الأخير تاريخ أسرته في ستة مجلدات مصورة من خلال نقطة محورية هي إصابة أخيه بمرض الصرع، سردت ساترابي تاريخ بلدها وعائلتها والطفلة التي كانت، بالأبيض والأسود، في «برسيبوليس».