كان وقع الصدمة على الأوروبيين كبيراً خلال الأسابيع الماضية حين علموا أنهم عرضة للتجسس المستمر خلال حياتهم اليومية. لكن الصدمة الكبرى لم تكن النطاق الواسع لعملية المراقبة هذه، بل واقع أن أحد أصدقائنا وحلفائنا المقربين يتجسس علينا، وهكذا تبين أن "العلاقات المميزة" مع الولايات المتحدة لم تكن مميزة فعلاً. يبدو أن وكالة الأمن القومي الأميركية تتصرف كما لو أن الولايات المتحدة لا تملك أي حليف حقيقي، والمفارقة أن هذا الافتراض قد يتحول إلى واقع بعد فضيحة مماثلة.

Ad

صحيح أن الأوروبيين استاؤوا وغضوا، إلا أننا نتحمل الجزء الأكبر من اللوم، فبينما راح القادة الأوروبيون يثنون على مزايا العلاقة الخاصة وعلاقات التقارب مع الولايات المتحدة، كما لو أنهم مراهقون هائمون في الحب، سعت الحكومة الأميركية بطريقة عملية إلى تحقيق مصالحها.

رغم كل التداعيات الدبلوماسية السلبية التي ستترتب على هذا الادعاء الأخيرة بشأن التجسس على مؤسسات الاتحاد الأوروبي وحكوماته، تبقى الفضيحة الحقيقية أن ملايين الناس العاديين في أوروبا كانوا طوال سنوات عرضة لمراقبة منظمة. وهكذا تُظهر الوقائع أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء كانوا لفترة طويلة يُبَدّون العلاقات اللصيقة مع الولايات المتحدة على مصالح مواطنيهم، ولا شك أن فضيحة التجسس ستضع أوروبا اليوم أمام اختبار قاسٍ، فعليها أن تُظهر رغبتها وقدرتها على حماية حقوق المواطنين الأوروبيين والدفاع عن مبادئها الأساسية. وبغية تحقيق ذلك، على الاتحاد الأوروبي أن ينضج، ويشد عزيمته، ويتحول إلى لاعب سياسي فاعل وواعٍ.

أولاً، يجب أن يطالب الاتحاد الأوروبي الحكومة الأميركية بتوضيح بشأن مدى صحة هذه الادعاءات، وينبغي ألا يحدث ذلك خلف الأبواب الموصدة، بل على أعلى المستويات السياسية وعلى مرأى من كل الناس. في عام 2010، قدِم نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى البرلمان الأوروبي وطلب من النواب دعم اتفاقات تتيح نقل بيانات مصرفية إلى الولايات المتحدة بغية مكافحة الإرهاب. وشدد بايدن يومذاك على أن التزام الولايات المتحدة بالخصوصية "عميق عمق التزام الأوروبيين"، ولكن على ضوء هذه الاكتشافات الأخيرة، نحتاج إلى بعض الأجوبة.

لا تُعتبر اللقاءات الخاصة بين باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كافية، فعلى البرلمان الأوروبي أن يدعو الرئيس الأميركي إلى معالجة هذه المسألة والسماح بتدقيق عام ملائم، كذلك ينبغي للبرلمان أن يشكّل لجنة استقصاء برلمانية، تماماً كما فعلنا عام 2001 بشأن برنامج تجسس مشابه يُدعى Echelon، علماً أن السلطات الأميركية أنكرت رسمياً استخدامها آنذاك برنامجاً مماثلاً. في الوقت عينه، على وحدة أمن الإنترنت الجديدة في "يوروبول" أن تحقق في احتمال تعرضنا للتجسس من قوة أجنبية. ومن الضروري أن تؤدي خلاصات هذه التحقيقات إلى تشكيل استراتيجية أمنية جديدة محدّثة تلائم العصر.

من الضروري أيضاً توجيه رسالة قوية إلى الحكومة الأميركية مفادها أن التجسس سراً على مواطني الاتحاد الأوروبي ليس مقبولاً. كذلك يجب تعليق الاتفاقات الراهن بشأن تبادل بيانات الركاب (PNR) والبيانات المصرفية (نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك أو Swift) أو حتى إنهاؤها. ويلزم تجميد أي محادثات بشأن اتفاق عبر الأطلسي هدفه حماية البيانات، إلى أن تتضح كل تفاصيل هذه الفضيحة.

علاوة على ذلك، من الضروري إجراء وقف مؤقت لنظام Safe Harbour بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذي يسمح للشركات الأميركية بمعالجة البيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين ونقلها. وأخيراً، تجاوبت مؤسسات الاتحاد الأوروبي تلقائياً مع طلبات الولايات المتحدة ورفضت منح الإذن بالاطلاع على مستندات، كتلك التي تتيح تقييم اتفاق Swift، متذرعةً بأن خطوة مماثلة "قد تؤذي العلاقات عبر الأطلسي". ولكن من المسيء جداً أن تتمتع الولايات المتحدة بقدرة مماثلة تتيح لها الحد من الشفافية في الاتحاد الأوروبي, فهذا غير مقبول ويجب وضع حدّ له في الحال.

في الوقت عينه، يجب الامتناع عن توقيع أي اتفاق نهائي بشأن التجارة والاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (الذي ستنطلق المفاوضات بشأنه خلال أيام) إلى أن تُحَلّ هذه المشكل نهائياً. كذلك يجب أن تتسم المحادثات بشفافية تامة، وينبغي أيضاً استثناء مسألة نقل البيانات الشخصية بشكل قاطع من هذا الاتفاق. فمن الضروري ألا نضحي بحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي الأساسية باسم النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي إعادة إدراج ما يُطلق عليه البند "المناهض لقانون المراقبة الاستخباراتية الأجنبية" في تنظيمات حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي خلال عملية إصلاحها الراهنة. كان هذا البند سيؤمن لنا وسائل حماية تتيح لنا التصدي لهيئات تطبيق القانون الأجنبية. إلا أن المفوضية الأوروبية حذفته بطريقة مشينة من الاقتراح الأساسي بطلب من الحكومة الأميركية، كذلك على المفوضية الأوروبية أن تتخذ الخطوات اللازمة لتنهي تطبيق قانون الولايات المتحدة خارج أراضيها في أوروبا وتضمن إعطاء الأولوية لقواعد حماية بيانات الاتحاد الأوروبي.

أخيراً، يجب أن تقوم المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي بعد طول انتظار بتقييم عميق لسياسات مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، علماً أن البرلمان الأوروبي كان قد طلب تقييماً مماثلاً منذ عام 2011. ويلزم أن يشمل ذلك الإقرار بوجود وكالة الاستخبارات الأوروبية Intcen، وإدراجها في إطار دستوري ملائم مع الضوابط ووسائل التدقيق الضرورية.

في الختام، تقتضي مصالح الجميع جعل "العلاقات المميزة" أكثر مساواة وفاعلية، ولا شك أن قارة أوروبية قوية ستشكل شريكاً أفصل للولايات المتحدة وضامناً أفضل لحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي. وعلى الاتحاد الأوروبي اليوم أن يحوّل كلماته إلى أفعال، وأن يتخذ الخطوات الضرورية ليضمن ألا تهدد فضائح مماثلة التحالف عبر الأطلسي في المستقبل.

غاي فيرهوفشتات | Guy Verhofstadt & صوفي انت فيلد | Sophie in 't Veld