بعد أن افتتحت بوني سبيندلر اللقاء، بدأ المشترون بالتوافد. تجمع أكثر من 50 من المشترين في القصر الحضري ووقفوا قرب الدرج الملتوي المصنوع من خشب الماهوجني وهم يقضمون المقبلات. وفي الوقت نفسه كانت سمسارة العقار تطوف بالبناء ذي الطراز الفيكتوري، وهي تطنطن بمحاسن القصر، وتحاول الدفاع عن السعر الذي تطلبه، وهو 2.99 مليون دولار.

Ad

لكن لا حاجة لذلك، فخلال أيام من فتح أبواب البيت الأنيق، تلقت سمسارة العقار عروضا للشراء، كلها نقدا وفوق ما طلبته. فقد بيع بمبلغ 3.36 مليون دولار نقدا، وأغلقت عملية الشراء خلال 12 يوما.

أصبح هذا السيناريو عاديا بصورة متزايدة في سان فرانسيسكو، حيث يعمل فيض من شركات التكنولوجيا وعمليات الاستحواذ على جلب جيل جديد من المشترين الراغبين في شراء البيوت نقدا، وجذبهم إلى سوق الإسكان المحلي.

تقول سبيندلر عن قائمتها من عقارات شركة زيفير: «تباع جميع هذه القصور فيكتورية التصميم إلى أصحاب أموال التكنولوجيا المتقدمة. هناك الكثير من أموال التكنولوجيا، وهذا هو بالتأكيد ما يحرك السوق».

أسعار المساكن

بعد خمس سنوات من الركود في سوق العقارات، تتمتع الولايات المتحدة بتحول في سوق الإسكان يعمل على رفع الاقتصاد بأكمله. ويحدث هذا في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المساكن فوق مستوى قيمة قروضها، الأمر الذي يسمح لمالكيها بإعادة تمويلها بفوائد أقل وتبدأ أعمال الإنشاء. والآن فقط تتعرض للتهديد القروض لأجل 30 عاما بفائدة ثابتة مقدارها 3.5 في المئة، وهي أسعار قياسية في الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع عوائد السندات.

وبحسب مؤشر كيس شيللر، ارتفعت أسعار المساكن عبر البلاد بنسبة وصلت إلى 10.9 في المئة سنويا. وأثناء ذلك انخفض عدد البيوت التي تعرضها المصارف للبيع، وكذلك البيوت المعروضة بسبب إعسار مالكيها. وسان فرانسيسكو هي الأسرع في هذا السباق، حيث وصلت نسبة الارتفاع في أسعار البيع إلى 22 في المئة، حتى إنها سببت مخاوف من حدوث فقاعة جديدة.

لكن هناك أسبابا جوهرية أخرى لارتفاع الأسعار في سان فرانسيسكو، تعود إلى جغرافيتها الفريدة التي عملت دائما على تخفيض المعروض من المساكن. فمدينة سان فرانسيسكو محاطة بالماء من ثلاث جهات، وتبلغ مساحتها سبعة أميال مربعة فقط، ولديها القليل من المساحة المتاحة لشركات التطوير العقاري للبناء فيها. وأغلق الكساد الاقتصادي الباب أمام البنائين للحصول على قروض جديدة، مسببا اختناقا في أعمال الإنشاء التي كانت قائمة، وهو طابع حركي رأيناه في مدن مزدهرة أخرى، مثل واشنطن.

طلب مرتفع

ويقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة مجلس باي إيريا الاقتصادية، شون راندولف: «بكل بساطة لا توجد بيوت. لا نجد بيوتا جديدة بنيت منذ الكساد الذي بدأ عام 2008. كانت النتيجة في النهاية عدم وجود عرض من البيوت يكفي الطلب عليها».

وفي حين أن الطلب مرتفع دائما على المساكن في مدينة تتمتع بجو لطيف وثقافة فريدة، إلا أن هناك سببا إضافيا آخر عمل على الارتفاع المفاجئ للطلب، وهو ازدهار وظائف التكنولوجيا في السنوات الأخيرة. ولهذا السبب، تقول سبندلر، نحو 70 في المئة من العروض المقدمة للشراء كانت فوق السعر المطلوب، و10 في المئة للشراء بالسعر المطلوب، و20 في المئة للشراء بسعر أقل من السعر المطلوب.

وأغلب الراغبين في الشراء أشخاص تم تعيينهم في شركات تكنولوجيا كبيرة في وادي السليكون، أو ممن ربحوا من الاستثمار والعمل في شركات ناشئة اشترتها إحدى الشركات الكبيرة.

وبدأ العقاريون برؤية علامات التحسن في النصف الثاني من عام 2011. وقال شين راي، وهو عقاري يعمل مع دوميسيل برابارتيز إن فورة من النشاط حدثت في العام الماضي، عندما بدأ العاملون في «فيسبوك» بيع أسهمهم بعد عرض الاكتتاب العام الأولي للشركة، مضيفا أن الطلب يعكس أيضا سوق الأسهم.

وأضاف انه إذا انخفضت أسهم «أبل»، سيتردد عملاء «أبل» في بيع أسهمهم، بينما لو ارتفعت أسعار الأسهم، سيسعى الناس إلى الشراء. هذان الأمران يسيران جنبا إلى جنب.

أصحاب الملايين

وتضاعف عدد أصحاب الملايين الذين اكتسبوا مالهم بين عشية وضحاها، في الوقت الذي تواصل فيه الشركات الكبيرة حمى الاستحواذ على الشركات. فالكثير من عملاء «ري» كانوا من بين أوائل الموظفين في شركات ناشئة اشترتها «ياهو»، أو «فيسبوك»، أو «زينجا»، أو «مايكروسوفت». وكانت إحدى نتائج الشراء نقدا هي التخفيف من قواعد المصارف المتعلقة بالقروض. وقللت المصارف من إصدار القروض، بسبب الصفقات النقدية، ولم تعد قادرة على اختيار عملائها على مزاجها. لذلك كان لزاما عليها التخفيف من قيودها، مثل منح القروض للأشخاص العاملين لحسابهم الخاص.

لكن حتى مع وجود هذه القروض، يقوم كثير من مشتري المصارف بالمبالغة في عرض الأسعار مرة تلو الأخرى. مثلا، تمثل سبيندل رجلا وزوجته، وهما من الأطباء النفسيين، قدما لها 38 عرضا بالشراء. وهما يريدان دفع مبلغ مليون دولار ثمنا لبيت، وقادران على دفع 35 في المائة من ثمن البيت كدفعة أولى.

وتقول سبيندل: «أغلق السوق في وجههما. والسؤال الآن: متى يعود الإنسان العادي إلى شراء بيت مرة أخرى؟ إذا لم تكن شخصا يعمل في مكان يمنحك مجموعة كبيرة من خيارات الأسهم، فسيكون من الصعب جدا عليك الدخول إلى سوق الإسكان».

والكثير من الناس من الذين لم يتمكنوا من الدخول إلى سوق الإسكان داخل المدن في منتصف العقد الماضي، وجدوا لهم فرصا خارج المدن. وتحول المطورون للبناء في الأراضي الواقعة في المدن الداخلية، مثل تريسي وستوكسون في مقاطعة سان جواكين التي تقع على مسافة ساعة ونصف بالسيارة من سان فرانسيسكو. وهم ينوون بناء مجموعات من البيوت تستهدف الذين يكثرون التنقل إلى سان فرانسيسكو.

سحب البيوت

وكانت هذه المناطق في السابق من أكثر الأماكن التي تعرضت لضربات سحب البيوت من مالكيها بسبب الإعسار، حيث انخفضت الأسعار بنسبة تزيد على 50 في المئة. وبحسب مصادر في داتا كويك، تتجه هذه المنطقة ببطء نحو الانتعاش، لكنها لاتزال بعيدة عن الأسعار المرتفعة التي بلغتها في الفترة التي سبقت الكساد، لكن الأسعار فيها ارتفعت بنسبة 19 في المئة في أبريل، مقارنة بالسنة التي سبقتها، لتصل إلى سعر متوسط 197 ألف دولار للبيت الواحد. وعانت سان فرانسيسكو من خسائر أقل، وهي تحاول الآن تعويض ذلك بسرعة. ومتوسط سعر البيت فيها الآن 815 ألف دولار.

* فايننشال تايمز