لمَ تفتقر واشنطن إلى الحلفاء في مصر؟

نشر في 14-07-2013
آخر تحديث 14-07-2013 | 00:01
بما أن مصر تقف اليوم على شفير الهاوية، لا يملك البرادعي، ولا أي خليط من الأصوات المستبدة والديمقراطية الناشئة في مصر والعالم العربي، الصبر لتقبّل تدخل واشنطن. فقد نجحوا في التفلت من سيطرتنا ولن يعودوا إليها.
 ذي أتلانتك لنوضح مسألة مهمة: لن تحظى الولايات المتحدة بـ"حلفاء" في الحكومة المصرية الجديدة، بغض النظر عمن يتولى رئاستها. وعلّق الأميركيون آمالاً كبيرة، مثلاً، على الخطط المتأرجحة لتعيين محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية اللبق ذي الميول الغربية، كرئيس للحكومة الانتقالية. لكن البرادعي، خلال السنوات الاثنتي عشرة التي ترأس فيها هذه الوكالة، كان مصدر إزعاج دائم لواشنطن. وفي عام 2011، طالب بفتح تحقيق جنائي دولي مع جورج بوش الابن وكبار مسؤوليه بسبب "حربهم غير الضرورية" في العراق.

قد لا يكون هذا الانتقاد الأخير بعيداً عن المنطق، نظراً إلى الأدلة الدامغة اليوم على أن بوش أطلق حرباً دموية كارثية معتمداً على أسس خاطئة، وأن البرادعي، من بين كثيرين، كان يملك براهين على ذلك قبل غزو مارس عام 2003 (كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتمتع آنذاك بحق دخول مواقع صدام حسين من دون أي قيود، وعرف البرادعي أن ما من أسلحة دمار شامل).

وخلال العقد الأخير، كان البرادعي المتمرد دوماً صوت المنطقة في التعاطي مع طموحات إيران النووية، ما أثار غضب إدارة بوش. فقد حذّر البرادعي عام 2007 من عدم وجود دليل على أي "برنامج عسكري نووي ناشط" في إيران (واتضحت صحة أقواله مرة أخرى من خلال التقارير الاستخباراتية الأميركية).

لكن الأهم يبقى أن البرادعي، مهما بدا خياراً أفضل بصفته سياسياً علمانياً (وخصوصًا بالمقارنة مع البدائل الإسلامية المتشددة)، لن يكون يوماً "رجل الولايات المتحدة" في القاهرة. وبما أن مصر تقف اليوم على شفير الهاوية، لا يملك البرادعي ولا أي خليط من الأصوات المستبدة والديمقراطية الناشئة في مصر وفي العالم العربي الصبر لتقبّل تدخل واشنطن. فقد نجحوا في التفلت من سيطرتنا ولن يعودوا إليها.

رغم الجدال الدائر في واشنطن حول ما تستطيع إدارة أوباما فعله أو ما يجب عليها القيام به لتصوغ نتيجة الأحداث في مصر، نخدع أنفسنا إن ظننا أننا نستطيع التأثير في مسائل أساسية وجوهرية، رغم ما تمنحنا إياه مساعداتنا التي تتخطى المليار دولار من "نفوذ". كتب روبر ساتلوف في صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي أن إطاحة الجيش المصري بمحمد مرسي "تمنح إدارة أوباما إحدى أكثر الفرص ندرة في السياسة الخارجية: فرصة ثانية".

لكن كلامه هذا ليس دقيقاً. تُعتبر هذه المناقشة بمعظمها سخيفة وخاطئة. كان بإمكان الإدارة الأميركية بالتأكيد أن تقدّم أداء أفضل في دفاعها المستمر عن مبادئها خلال سنتين ونصف السنة من "الربيع العربي". صحيح أن السفيرة الأميركية إلى مصر، آن باترسون، نبّهت الرئيس المخلوع محمد مرسي في خطاب ألقته في شهر فبراير الماضي لواقع أنه على شفير السقوط اقتصادياً وسياسياً، إلا أنها بالغت في حذر حتى باتت محط لوم العلمانيين والإسلاميين على حد سواء، لأنها سعت للعمل مع الطرفين كليهما. لكن باترسون بمناوراتها هذه عكست رغبات الرئيس أوباما، الذي دعم مرسي، على ما يبدو، بطريقة الواقعية السياسية الفارغة عينها التي أيد بها حسني مبارك من قبله: السعي لعقد تحالف بين حكومتين مع الاكتفاء بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان قولاً لا عملاً.

لكن هذا ينبع من الضياع الأميركي ذاته. ولا يقع اللوم كله على أوباما. فعلى غرار الرؤساء السابقين، يحاول أوباما أن يحلّ التناقض المباشر بين مصالح الولايات المتحدة الحالية بصفتها القوة العظمى العالمية الوحيدة التي تصون الاستقرار ودور الولايات المتحدة التاريخي بصفتها المدافع الأول عن الديمقراطية والحقوق الكونية. فبصفتها المشرف على نظام دولي مستقر، أصبحت الولايات المتحدة أمة تؤيد الوضع القائم وتدافع عنه. غير أننا نلاحظ غالباً، كما يحدث اليوم في العالم العربي، أن أعداء الوضع القائم يقتبسون أفكارنا ليدحضوا حججنا. على سبيل المثال، أعلن بوش في شهر يونيو عام 2002 أن الديمقراطية دواء كل العلل في الأراضي الفلسطينية. ولكن عندما فازت "حماس" في الانتخابات بعد أربع سنوات، اكتشفت واشنطن أنها أطلقت عن غير عمد عملية شلّت جزءاً من مسيرة السلام. وفي عام 2003، شنّت الولايات المتحدة حربًا لترسم نموذجاً عربيا ديمقراطيا. إلا أنها سرعان ما أدركت أنه مع اندلاع الحرب الأهلية واحتمال تقسيم العراق (وربما سورية أيضاً)، عاد المشاركون، مثل الأكراد، إلى وعد "وودرو ولسون" عن حق تقرير المصير قبل نحو قرن من الزمن. إذاً، قد تكون الأفكار الأميركية أيضاً وراء تفسّخ الشرق الأوسط القديم، مما سيؤدي بالتأكيد إلى مزيد من إراقة الدماء.

يحدث كل ذلك لأن الولايات المتحدة أضحت على نحو غريب ضحية نجاحها الخاص. فخلال القرن الماضي، حققت الولايات المتحدة نجاحات كبيرة، محققة النصر على الفاشية ومعظم الأنظمة الشيوعية. نجحنا لا لأننا كنا أقوى عسكرياً أو اقتصادياً، بل لأننا نفتخر بأننا نملك أفكاراً أقوى. فلم نرغب في إلحاق الهزيمة بعدونا فحسب، بل أصررنا أيضاً على تبنيه لفلسفتنا، محققين ما دعاه هنري كيسنجر ذات مرة "الحلم الأميركي القديم بإرساء السلام من خلال تبني العدو لأفكارنا". لكن الأفكار الأميركية، بعد أن غزت العالم مثل وجبات ماكدونالدز وأفلام ديزني، عادت لتطارد صانعي السياسات الأميركيين، وخصوصاً الديمقراطية. نتيجة لذلك، نعاني اليوم ما يشبه ضربة مرتدة عقائدية.

لكننا لم نختبر بعد الكثير من أوجه أفكارنا هذه، مثل أن الديمقراطيات على الأمد الطويل لا تشن الحروب إحداها على الأخرى، أن العالم العربي، كلما تبنى الديمقراطية، زاد اندماجاً بالاقتصاد العالمي، وأن هذا كله سيعود بالفائدة على الولايات المتحدة على الأمد الطويل. نأمل ذلك، مع أنه يتطلب عقوداً. ولكن إن تحقق، فلا يعود الفضل الكبير في ذلك لنا.

Michael Hirsh

back to top