المحكمة الدستورية وانتظار غودو

نشر في 12-06-2013
آخر تحديث 12-06-2013 | 00:01
 أ.د. غانم النجار  الحماس السياسي في انتظار حكم المحكمة الدستورية المرتقب في منتصف هذا الشهر غير مفهوم، حيث تم وصف حكم المحكمة الدستورية القادم بأنه حكم تاريخي، ومفصلي، وأن تاريخاً جديداً للكويت سيتشكل بعد هذا الحكم، أياً كان اتجاهه، سواء تم تحصين مرسوم الصوت الواحد أو تم نقضه.

غير أن الحقيقة العارية تقول بأننا منذ بزوغ الدستور عام ١٩٦٢ نعيش في هذه المعضلة التاريخية، بل إنها كانت في محطات سابقة أشد وطأة في انتهاك قيم الدستور والديمقراطية، بدءاً من صدور قوانين غير دستورية "تاريخية" سنة ١٩٦٥، مروراً بتزوير "تاريخي" سنة ١٩٦٧ وحل غير دستوري "تاريخي" سنة ١٩٧٦، وصدور حزمة قوانين غير دستورية "تاريخية" كقانون التجمعات وتعديل الدوائر الانتخابية إلى ٢٥ دائرة، وتقديم مشروع تنقيح الدستور "التاريخي" سنة ١٩٨٢، ثم حل غير دستوري "تاريخي" آخر في ١٩٨٦، وفرض انتخابات مجلس وطني "تاريخي" سنة ١٩٩٠، وغير ذلك من الانتهاكات "التاريخية"، التي لم تقل جسامة وفداحة في فصل رأس الدولة عن جسدها الدستوري.

وبالتالي فإن القول بانتصاف الحياة السياسية بين ما بعد الحكم وما قبله، هو حديث مبالغ فيه؛ فالمشكلة الأزلية التي تجمع "التاريخ" هي عدم قدرة النظام على التعايش مع ديمقراطية كاملة. صحيح أن حكم المحكمة الدستورية قد يمثل أداة مختلفة، ولكنها ليست جديدة، وتأتي في ذات السياق داخل إطار الصراع الاجتماعي والسياسي، الذي سيستمر بغض النظر عن حكم المحكمة، وبالتالي فهي ليست نهاية لأي شيء أياً كان الحكم الصادر.

"في انتظار غودو" مسرحية "تراجيكوميدي" لصامويل بيكيت تم تصنيفها كأهم عمل مسرحي في القرن العشرين، وتحكي قصة شخصين فلاديمير واستراغون، اللذين ظلا ينتظران بشغف وعناء، وصول شخص يُدعى غودو، ولكن غودو لا يصل، وخلال ذلك الانتظار المرتقب تحدث مواقف غريبة ومتناقضة. غودو لم يصل رغم الانتظار المرهق، وكذلك حكم المحكمة الدستورية لن يصل إلى حل لمن يتصور نهاية طريق من خلاله، ولابد من توافق للخروج من المأزق. ويعد بيكيت رائد ما يسمى بمسرح العبث، والحق يقال لم أجد وصفاً مطابقاً لما يجري عندنا أفضل منه، فما يجري عندنا ليس إلا عبثاً في عبث.

***

الزميل عبداللطيف الدعيج فسر مقالتين أخيرتين لي حول الاتفاقية الأمنية الخليجية بأنهما محاولة "ذكية" لتبرير تمرير الاتفاقية، وذلك عبارة عن كبوة، فكيف فهم مقالتيَّ بهذه الصورة؟ فمنذ أثير موضوع الاتفاقية الأمنية على السطح في ديسمبر الماضي أوضحتُ خطورة إقرارها، وأجريت اللقاءات والمحاضرات العامة في ذات الاتجاه الرافض للاتفاقية، وكتبت ٧ مقالات في ذات الاتجاه الرافض لها، كان آخرهما المقالتين اللتين فسرهما بطريقته الخاصة، والتي لا تنسجم ولا تلتقي مع قناعاتي ولا ما قلته وأقوله، وبالتالي تصبح الكبوة هي فهمه وتفسيره لمقالتيَّ، مع خالص الشكر لكلماته الطيبة بحقي، والتي لا يمكن أن تتوافق، كما أشار هو حقاً، مع مبدأ قبولي تمرير الاتفاقية الأمنية.

back to top