من يبحث عن حراك شعبي واسع من دون أي زلة أو هفوة أو خطأ هنا أو هناك فلن يجده، إذ إن الحراك الشعبي الواسع في أي مكان في العالم ليس جهاز كمبيوتر تختاره بحسب المواصفات الفنية الدقيقة التي تريد، ثم تقوم ببرمجته وفقا لاحتياجاتك ورغباتك، بل هو حراك بشري ومجتمعي متنوع له مشاكله وأخطاؤه وتناقضاته أيضاً، ناهيكم عن إمكانية افتعال بعض المشاكل وفبركة بعض "الحركات" بغية تشويه صورة الحراك الشعبي لدى الرأي العام.
من هنا فإن تقييم أي حراك شعبي واسع يتطلب النظر إلى الصورة الكاملة من زواياها كافة بشكل موضوعي دون أي أحكام أو مواقف مسبقة مع عدم التوقف كثيراً أمام التفاصيل الصغيرة والتافهة، بل التركيز على معطياته ومساره العام وحركة تطوره والظروف التي تحيط به لأن من له موقف سلبي مسبق من حركة التغيير الديمقراطي لهذا السبب أو ذاك فإنه غير جدير البتة بتقييم حراك مجتمعي واسع، فموقفه محدد سلفاً، وبالتالي فهو غير موضوعي وغير منصف، فلا ينظر إلى الصورة من زواياها كافة، بل تجده يوجّه "المايكروسكوب" بتركيز شديد على الأمور الصغيرة والسطحية لعله يجد زلة أو هفوة أو خطأ أو حادثة فردية معزولة ومرفوضة هنا أو هناك لكي يبالغ في تضخيمها بقصد تشويه صورة الحراك الشعبي بشكل عام.على أي حال فنحن اليوم أمام حراك شعبي واسع وغير مسبوق تشارك فيه مكونات مجتمعنا كافة، ويطرح مطالب سياسية جدية تتعلق بإصلاح وتغيير النهج الحالي لإدارة الدولة، أما بالنسبة إلى مسيرات "كرامة وطن" فسنكتفي بهذه العجالة بتسجيل ملاحظتين:أولاهما تميّز المسيرات الشعبية الحاشدة بالسلمية بالرغم من العنف المفرط الذي استخدمته قوى الأمن ضد بعض المسيرات، حيث يعلن المنظمون من خلال حسابهم على "تويتر" أنهم مصرون على سلمية مسيراتهم مهما تعرضت للاستفزاز والقمع من قبل قوى الأمن، وسيقومون بتسليم مثيري الشغب لقوات الأمن، وهذا شيء رائع يحسب للشباب. ثانيتهما: أن هناك علاقة طردية بين إزعاج الأهالي في المناطق السكنية ومنع المسيرات بالقوة، فالإزعاج يزداد عندما تستخدم القنابل الصوتية والدخانية والمسيلة للدموع، وعندما تقوم القوات الخاصة بمطاردة الشباب وانتهاك حرمات المنازل بعد أن يجبر الشباب على الدخول إلى المناطق السكنية رغم أن المسيرة تقام في الساحات القريبة من المناطق السكنية كما رأينا في منطقة قرطبة أثناء مسيرة "كرامة وطن 5"، والعكس تماما في مسيرة "كرامة وطن 6" في منطقة صباح الناصر، فعدم تدخل القوات الخاصة لمنعها بالقوة أدى إلى عدم إزعاج الأهالي وجعل المسيرة السلمية تنفض في وقتها المحدد دون أي مشاكل تذكر. أما ما حصل بعد ذلك على الدائري السادس وأبرزته بعض وسائل الإعلام بشكل مبالغ فيه ولغرض ما، على ما يبدو، فلا علاقة له بمسيرة "كرامة وطن 6" ولا يُعرف على وجه التحديد من المتورط الحقيقي فيه وما دوافعه!أخيراً وليس آخراً، نتمنى أن يستمر الشباب الوطني المخلص في إصراره الرائع على المحافظة على سلمية احتجاجاته وتجنب التصادم مع قوى الأمن مهما كانت الظروف، كما نتمنى أن تبتعد المسيرات السلمية القادمة عن المناطق السكنية.
مقالات
الحراك الشعبي ومسيرات «كرامة وطن»
16-01-2013