لطالما انتُقدت الجهود لإنقاذ اليورو ووُصِفت بغير الديمقراطية مع إعداد رزم الإنقاذ وراء الأبواب الموصدة في بروكسل، ولكن بعد تصويت البرلمان القبرصي، يصعب إثبات هذا الانتقاد، فما من عضو في البرلمان القبرصي في نيقوسيا أيد رزمة الإنقاذ، التي اقتضت فرض ضريبة على الحسابات في المصارف القبرصية.

Ad

صوت 36 مشرعاً ضد هذه الصفقة، في حين امتنع عن التصويت 19 آخرون، من بينهم مَن ينتمون إلى حزب التجمع الديمقراطي اليميني الوسطي الذي يقوده الرئيس نيكوس أناستاسيادس. وبرهن المشرعون برفضهم خطة وضع اليد هذه على أموال المودعين في هذه الجزيرة أن باستطاعة ممثلي دولة صغيرة في الاتحاد الأوروبي عرقلة جهود منطقة اليورو الرامية إلى إنقاذ العملة المشتركة.

لا شك أن أناستاسيادس لم يبذل جهداً كبيراً لتأمين قبول الأكثرية بهذه الصفقة، مع أنه أعرب عن تأييده لها في بروكسل. على العكس، ذكر قبل أن تبدأ المناظرة البرلمانية أن الرزمة قد لا تمر، ما شكّل دعوة للمشرعين كي يرفضوها، وقد تكون هذه الخطوة تكتيكية. يستطيع أناستاسيادس الآن العودة إلى بروكسل على أمل التوصل إلى شروط أفضل مع شركاء قبرص في منطقة اليورو بالتشديد على تمرد البرلمان.

قد تشكّل هذه الخطوة أيضاً وسيلة ضغط على موسكو، فصباح يوم الأربعاء، كانت كل العيون شاخصة نحو روسيا على أمل أن تتدخل موسكو وتقدّم لنيقوسيا مساعدة طارئة. فقد كدّس المستثمرون الروس مليارات اليورو في حسابات مصرفية قبرصية، وتشكّل الأموال الروسية أحد الأسباب التي تجعل قطاع المصارف القبرصي يملك أصولاً تفوق الناتج المحلي الإجمالي السنوي في قبرص بسبعة أضعاف.

ضغط من الخارج

بينما مجموعة اليورو تسعى إلى الحفاظ على مصداقيتها يجب أن تتوخى في المفاوضات المقبلة الحذر، فقد أظهر هذا التصويت نقطة واحدة بشكل جلي: لم يتمحور قلق نيقوسيا حول مَن يملكون مبالغ صغيرة في الحسابات القبرصية. ففي الصباح، كانت الصفقة الأصلية قد عُدّلت لتعفي كل مَن لا يملكون 20 ألف يورو أو أكثر في حساباتهم من الضريبة. لكن رفض البرلمان القبرصي بالإجماع هذه الصفقة يُظهر أن المشرعين يريدون في المقام الأول الحفاظ على مكانة قبرص كجنة للضرائب المتدنية وملاذا آمنا لأنشطة وشركات "الأوفشور" الأجنبية. لكنه يكشف أيضاً أن القبارصة يرفضون التعرض للضغط من الخارج، وخصوصاً من ألمانيا.

يبدو أن وقائع هذه المسألة تتعارض مع المشاعر القوية التي أججتها، فقد واجه مصرفان كبيران في قبرص الصعوبات، وترفض نيقوسيا تصفيتهما أو تركهما ليواجها الإعسار لأن ذلك يلحق ضرراً كبيراً بالمصارف الأخرى في البلد ويشوّه سمعة قبرص كمركز مالية في المستقبل القريب، لكن الحكومة تفتقر إلى الإمكانات لإنقاذ هذين المصرفين. لذلك طلبت قبرص مليارات اليورو كمساعدة من صندوق إنقاذ منطقة اليورو الدائم المعروف بآلية الاستقرار الأوروبية، فطرحت منطقة اليورو، وعلى رأسها ألمانيا، شرطاً منطقياً مقابل مدّ قبرص بالمساعدة: أن يساهم عملاء المصارف، الذين تُحفظ حساباتهم، في عملية الإنقاذ.

لكن رفض نيقوسيا اليوم حوّل عملية الإنقاذ من مسألة سياسة إلى مسألة مبدأ. تُعتبر المبالغ المطلوبة صغيرة نسبيّاً مقارنة بالحاجات السابقة لأمم أخرى تعاني أزمة. اقتضت رزمة قبرص حصولها على 10 مليارات يورو من آلية الاستقرار الأوروبية، فضلاً عن 5.8 مليارات إضافية تُجمع من الضريبة على الحسابات. ولكن إذا تراجعت منطقة اليورو عن طلب الضريبة اليوم، فسيتضح أن كل اتحاد العملة الموحدة يتعرض للابتزاز.

إذا استطاعت إحدى دول منطقة اليورو الأصغر الادعاء أنها بالغة الأهمية، وإذا سُمح لهذه الدولة بأن تعيق الجهود الرامية إلى استغلال مصادر أخرى لتأمين المساعدة المالية قبل أن يُرغَم دافعو الضرائب الأوروبيون على تمويل عملية الإنقاذ بأكملها، فستتمسك عندئذٍ كل الدول، التي تواجه المشاكل في المستقبل، بعناد بموقفها في المفاوضات مع بروكسل.

دافعو الضرائب الأوروبيون

لا شك أن بروكسل ستخوض مفاوضات عدة في المستقبل، فتحتاج المصارف في إسبانيا أيضاً إلى المال من آلية الاستقرار الأوروبية. وتشبه نقاط الخلاف الأساسية في هذه الحالة ما واجهته بروكسل في تعاملها مع قبرص: هل يلزم تصفية بعض المصارف؟ وبكم يجب أن يساهم المستثمرون والدائنون في عملية الإنقاذ هذه؟ سمعنا مراراً خلال هذا الأسبوع أن على منطقة اليورو توخي الحذر لئلا تزعزع ثقة الأسواق المالية بالعملة الموحدة، لكن ثقة دافعي الضرائب الأوروبيين بقادتهم ليست مستقرة أيضاً، ولا شك أنها ستهتز إذا ساد الانطباع مرة أخرى بأن على دافعي الضرائب وحدهم تحمل المخاطر المرتبط بعملية دعم العملة الموحدة.

ماذا سيحدث، إذن، في قبرص؟ الوقت بالغ الأهمية، فلا يمكن أن تبقى أبواب مصارف هذا البلد مقفلة طويلاً، ولكن إن فتحت قبل التوصل إلى درب واضح للمضي قدماً، فستواجه بالتأكيد دفقاً من المودعين الذين يريدون سحب أموالهم، ما قد يشكّل الضربة القاضية لنظام الدولة المالي.

يشير التفات نيقوسيا السريع نحو روسيا إلى أن قبرص تسعى بسرعة إلى تطبيق خطة بديلة واعدة، فبما أن الكثير من الأثرياء الروس يستخدمون قبرص منذ زمن كملجأ منخفض الضرائب يكدسون فيه أموالهم، فقد أملت أن تقدم موسكو أموال الإنقاذ الـ5.8 مليارات يورو التي رفض البرلمان تأمينها. تشير التقارير الإعلامية إلى أن الحكومة القبرصية تحاول عقد صفقة غاز طبيعي سريعة مع روسيا تمنح موسكو حقوق التنازل عن احتياطي غاز طبيعي يقع قبالة الساحل القبرصي مقابل حصول نيقوسيا على مال هي بأمس الحاجة إليه.

لعبة تجاذب

لن ترضى مجموعة اليورو بهذه التسوية، إلا إذا لم تقدم روسيا المال لقبرص على شكل قرض، فسيرتفع عندئذ دين قبرص السيادي إلى مستوى خطير، وهذا بالتحديد ما كانت الصفقة الأولى تحاول تفاديه.

يقوم البديل على أن تسمح قبرص لهذه الصفقة الأوروبية بأن تنهار بالكامل، متخلية عن العشرة مليارات يورو التي ستدفعها آلية الاستقرار الأوروبي. وتحاول الحصول على السبعة عشر مليار يورو من مصدر آخر، وفي هذه الحالة أيضًا، ستكون روسيا ملجأها الأول.

ولكن ما العمل إذا رفضت روسيا إنقاذ هذا البلد ولم تعثر قبرص على شركاء آخرين مستعدين لمساعدتها؟ سيتحول الوضع القبرصي عندئذٍ إلى لعبة تجاذبات: مَن يخشى أكثر إعسار قبرص: قبرص بحد ذاتها أم سائر دول منطقة العملة الموحدة؟ تخاف بروكسل من أنها، إذا سمحت لقبرص بالانهيار، ستواجه استئناف هرب رؤوس المال من دول منطقة اليورو المتعثرة الأخرى، ما يؤدي إلى تفاقم معدلات السندات السيادية في إيطاليا وإسبانيا.

لكن أمراً واحداً يظهر بوضوح: إذا أعربت منطقة اليورو عن ضعف بسيط في لعبة التجاذبات هذه مع دولة قبرص الصغيرة، فستُضطر إلى خوض مبارزات عدة في المستقبل.

Christian Rickens