رحيل رجل جميل

نشر في 30-12-2012
آخر تحديث 30-12-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري تعرضت في بداياتي مع الكتابة لموقفين نقديين لا أنساهما أبداً. شكل الأول نقطة انعطاف مهمة في ما أكتب وقررت بعده مباشرة أن أتخلص من مجموعتي القصصية الأولى التي تضم قصصاً كتبتها أثناء دراستي الجامعية. كان ذلك تحديداً عام 1986 في أمسية أشركني بها أحد الأخوة المشرفين على الصفحات الثقافية في ختام الموسم الثقافي لكلية التربية الأساسية بمشاركة عالية شعيب، وتعليق الدكتور عبدالغفار مكاوي، موضوع هذا المقال، والذي رحل تاركاً خلفه حياة طويلة وحافلة من الدراسات الفلسفية والألمانية على وجه الخصوص.

في تلك الأمسية قرأت ما أظنه أفضل ما كتبت في تلك المجموعة. كانت القصة مغرقة في تفاصيلها المحلية تناقش الخاص في الجهراء تحديدا كأغلب قصص المجموعة. ولكنها لم تصل إلى الدكتور عبدالغفار مكاوي لخلل فيها وليس في فهم الدكتور مكاوي. أتذكر أن نقد الدكتور كان قاسياً يومها ولم يسعفني دفاع ليلى العثمان والدكتور رجا سمرين عن خصوصية القصة، ولكن النقد الذي تحدث فيه عبدالغفار مكاوي يومها كان علمياً ومنهجياً فتح لي طريقاً جميلاً في الكتابة في ما بعد، على حد زعمي.

كانت تللك السنة الثانية للدكتور مكاوي في الكويت الذي درّس الفلسفة، حين كانت لدينا مدرسة فلسفية، واستمر حتى عام 1995  مشاركاً مجموعة من العباقرة الباحثين في مدارس مختلفة منهم على سبيل الحصر فؤاد زكريا، وعبدالفتاح امام، وعزت القرني، وأحمد الربعي، وشفيقة بستكي، مع حفظ الألقاب. وكنا طلبة علم في الكليات العلمية نواظب على حضور الأمسية الثقافية التي تتصارع فيها هذه العقول كل يوم ثلاثاء في نادي جمعية أعضاء هيئة التدريس والتي لا نسمع لها صوتا اليوم.

الموقف النقدي الثاني الذي تعرضت له، وهو موقف مناقض تماما لموقف الدكتور عبدالغفار مكاوي، كان أثناء تعقيب الدكتور عبدالرزاق عيد على ورقة للدكتور محمد المنسي قنديل عن رواية عاشقة الثلج في ندوة الرواية عام 1994، وهي الرواية الأولى لي. والدكتور عيد هو أيضاً أحد الأعلام النقدية المهمة في الوطن العربي، ولكن هجومه على المنسي قنديل ومديحه للرواية كان خروجاً على أصول النقد وأدبياته. حتى انه تقوّل على الرواية والروائي ما لم يقله. لم يستطع الدكتور عيد التخلص من ولائه السياسي لحزب البعث الذي هاجمته الرواية فخلط بين النقد الأدبي والسياسي. في المقابل كان المنسي قنديل مؤدباً جداً في رده ولم يقابل الهجوم بالهجوم.

في الحالتين كان النقد موجهاً ضدي ولكن منهج الناقدين كان متبانياً. الأول أخرجني من حالة كتابية إلى أخرى دون أن يهدم عزيمتي وربما مديحه لغتي كان إشارة منه لكي استمر بطريق آخر وإيحاء إليّ بأن أتخلص مما كتبت لأبدأ مرة أخرى بعيداً عنه. وهو ما كان سبباً في تخلصي من المجموعة الأولى. أما النقد الثاني فكان تجريحاً في فكر مختلف عن فكر الناقد بعيداً عن منهج النقد الأدبي. وأيضاً تعلمت من الدكتور عيد أن الثبات على الموقف يتطلب شجاعة كبرى للصمود. رفض عبدالرزاق عيد يومها إصدار بيان من الندوة يطالب بالإفراج عن أسرى الكويت لدى عراق صدام حسين، وكان أول القافزين إلى باريس من سفينة بشار الأسد قبل أن تحترق.

رحل الدكتور مكاوي عن الحياة يوم الاثنين الماضي وله في الكويت سيرة طيبة وأخلاق رفيعة وتلاميذ أصبح الكثير منهم أساتذة فلسفة في القسم... سلام إلى روحه.

back to top