أضواء تحذيرية في أسواق الائتمان الأميركية
تفكير جدِّي في الآثار المالية السلبية المحتملة للتسهيل الكمي
في كلمة ألقاها المحافظ في الاحتياطي الفدرالي، جيريمي شتاين، فبراير الماضي، ألمح إلى أن المسؤولين يفكرون بجدية في الآثار المالية السلبية المحتملة للتسهيل الكمي. وفي ذلك الحين كانت الكلمة تبدو مهمة، لكنها تبدو الآن أساسية في صلب الموضوع.
منذ ثلاثة أشهر تعزف "وول ستريت" نغمة واحدة، تركز بصورة وحيدة ومهووسة على مسألة الوقت الذي سيبدأ فيه الاحتياطي الفدرالي بالانسحاب التدريجي من مشترياته من الأصول. وكان لا بد لأرقام الوظائف المخيبة للآمال يوم الجمعة أن تدعم رأي الذين يتوقعون أن يبدأ الانسحاب في ديسمبر على رأي الذين يتوقعون أن يبدأ في سبتمبر. لكن مع أن الأسواق وجهت أنظارها نحو هذا السؤال منذ مايو، إلا أنه في الواقع انقضت ستة أشهر منذ التلميح الأول بأن الاحتياطي الفدرالي سيقوم بتغيير موقفه حول التسهيل الكمي، وأن مسألة الانسحاب التدريجي من الممكن أن تشتمل على أمور تزيد على مجرد التقلبات الشهرية في البيانات الاقتصادية. وفي كلمة ألقاها جيريمي شتاين، المحافظ في الاحتياطي الفدرالي، في السابع من فبراير الماضي، ألمح إلى أن المسؤولين يفكرون بجدية في الآثار المالية السلبية المحتملة للتسهيل الكمي، وهو موضوع تناوله رئيس مجلس الاحتياطي، بن برنانكي، بعد ذلك بثلاثة أشهر. وفي ذلك الحين كانت الكلمة تبدو مهمة، لكنها تبدو الآن أساسية في صلب الموضوع. استقرار مالي في تلك الكلمة، أبرز شتاين المخاطر الواقعة على الاستقرار المالي في الوقت الذي وصل فيه المستثمرون إلى وضع لا يحققون فيه عوائد لا تذكر في بيئة أسعار فائدة عند المستويات الدنيا القصوى، التي قام بهندستها الاحتياطي الفدرالي. وتناول سلسلة من المؤشرات الاقتصادية التي يمكن فيها أن نضع أصابعنا على مواطن نشوء الممارسات ذات الخطورة العالية. وهذا أمر يجدر بنا أن نكرره. وأول شيء ينبغي قوله هو أن شهري مايو ويونيو، حين أخذ المستثمرون يعتادون على فكرة أن الاحتياطي الفدرالي سيبدأ الانسحاب التدريجي هذا العام، أعطيا متنفساً لهم للخروج من أسواق السندات الخطرة وديون الرفع المالي، لكن ليس تماماً بالقدر الذي يمكن لنا أن نتخيله. ومن النقاط المهمة التي أثارها شتاين أن صناع السياسة لا بد أن يبحثوا عما هو أعمق من الأرقام الأساسية من قبيل أسعار التأمين على السندات، إذا أرادوا أن يشهدوا نشاطا سريعا في الاقتصاد قبل فوات الأوان. وجميع المؤشرات الأربعة غير التقليدية تلتمع الآن في أضواء تحذيرية، كما يتبين لنا من بيانات من "ليبر آند إس آند بي كابيتال آي كيو". فإصدارات هذا العام من الأوراق المالية التي تدفع عينياً، وهو ما يسمح للمقترضين بتأجيل دفعات الفوائد النقدية، تقترب من تجاوز الإجمالي لعام 2012، بعد أن سجلت أعلى مستوى لها هذا العام في يوليو الماضي. خدمة الدين وفي فبراير تم تسجيل رقم قياسي في إصدار الديون التي لا تتطلب شروطاً قوية على خدمة الدين من المقترضين، لكن حتى من خلال الجيشان الأخير ظل المعدل مرتفعاً بالمستويات الشهرية التي كانت معهودة في النصف الأول من 2007. وفي الربع الثاني ارتفع استخدام القروض فقط لتسديد أرباح المساهمين في شركات الأسهم الخاصة إلى ضعف الربع الأول. وكان يوليو بطيئاً، لكن هناك صفقات بقيمة ثمانية مليارات دولار مخصصة لأغسطس الذي سيكون على الأقل ثاني أعلى شهر هذا العام. وأخيراً، الرفع المالي في صفقات الشراء الكبيرة للشركات كان في يوليو أعلى بنسبة 5.9 مرات، وهو أعلى مستوى له منذ 2007. ولايزال هذا جداراً من المال يلاحق العوائد الأعلى من السندات الخطرة وقروض الرفع المالي. وسجلت صناديق قروض الرفع المالي لتوها أسبوعها الـ59 على التوالي من التدفقات الداخلة. ولبضعة أسابيع كانت هناك بالتأكيد تدفقات خارجية لا يستهان بها من صناديق السندات ذات العوائد العالية، حين كانت المخاوف من الانسحاب التدريجي على أشدها، كما أن شركة مورننج ستار ربطت إجمالي الموجودات في الصناديق المشتركة والصناديق ذات العوائد العالية التي يجري تداولها في البورصة، عند مستوى 340 مليار دولار بنهاية يونيو، أي بانخفاض نسبته 7 في المئة مقارنة بنهاية الربع السابق. الصناديق لكن يظل هذا الرقم ضعف ما كان عليه قبل ستة أعوام. والتوسع الهائل للصناديق العقارية التي يجري تداولها في البورصة وصناديق الاستثمار في القروض العقارية غيَّر الأسواق المالية بطرق لم يتم اختبارها حتى الآن. وصناديق البورصات العقارية بصورة خاصة، التي تقترض من أسواق الأجل القصير لتمويل استثمارات في القروض العقارية المدعومة من الحكومة، ذاقت نوعاً من الألم والكآبة. وكثير منها تراجع بمقدار الربع في الرسملة السوقية في الوقت الذي تراجعت فيه قيمة هذه الأوراق المالية منذ مايو. ومنذ فترة قصيرة فقط بدأ موسم أرباح الصناديق العقارية التي يجري تداولها في البورصة، لكن يبدو من الواضح أنها تعمل على تقليص محافظها، مع ما ينطوي عليه ذلك من خروج من بعض المخاطر التي حددها شتاين في ذلك القطاع. لكن هناك مخاطر أخرى لا يرجح لها إلا أن تزداد. فالقواعد الجديدة للتداول في المشتقات والمتطلبات الرأسمالية الجديدة في المصارف تزيد الطلب على الرهان المضمون (سندات الخزانة وما إلى ذلك) بالنسبة للقروض قصيرة الأجل، لكن هذه القواعد يتم إدخالها الآن فقط من قبل الأجهزة التنظيمية. بعبارة أخرى، هناك كثير من الأمور الباعثة على القلق بالنسبة لصقور الاستقرار المالي، حتى لو كان الاقتصاديون الحمائم يستخدمون أحدث بيانات التوظيف للمجادلة في سبيل تأخير برنامج الانسحاب التدريجي. والدليل الذي نراه من أسواق الائتمان، ومن قطاعات الديون ذات العوائد العالية وديون الرفع المالي بصورة خاصة، هي أن الدخول في المخاطر ربما يكون أوسع انتشاراً حتى من الوقت الذي أثار فيه شتاين تحذيره في فبراير. (فايننشال تايمز)