تعتبر المراحل الأولى من عمر الإنسان الأساس الذي تبنى عليه شخصيته ويتحدد فيها مسار نموه إما في اتجاه إيجابي وهو اتجاه الصحة النفسية والعقلية، أو في اتجاه سلبي وهو اتجاه الصعوبات والمشاكل السلوكية. فالطفل يولد وهو مزوّد بكل إمكانات التطور والتواصل مع الآخر، فإن تمّ التعامل مع إمكاناته بطريقة علمية ومدروسة لاستطعنا أن نخرج أقصى ما يمكن من جميع جوانب حياته النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية.

Ad

مراحل النمو

يتألف كتاب «أطلق العملاق من داخل طفلك» من ثلاثة أجزاء متكاملة. ففي الجزء الأول تتناول المؤلفة «مراحل النموّ» وتستعرض فيه خصائص ونوعية التأثير الذي تمارسه الأم أولاً ومن ثم الأب، للفترة الممتدة من مرحلة ما قبل الولادة أو المرحلة الجينية، إلى نهاية العام السادس من عمر الطفل، تشكل تلك المراحل الأساس الذي تبنى عليه شخصية الإنسان وهويته.. لذلك كلما كان هذا الأساس متينًا وقويًا، كلما كان الطفل أكثر ميلاً إلى الصحة النفسية والعقلية والجسمية، واستمرَّ نموه في اتجاه إيجابي.

وتؤدي الرعاية الإيجابية والعلاقات السليمة داخل المحيط الأسري الدور الأكبر ليكون هذا الأساس قويًا ومتينًا. فنمو يعتمد على التفاعل بين العوامل البيولوجية والوراثية، وبين العوامل البيئية المحيطة والتي تتجسد في أساليب تعامل الوالدين.

تربية إيجابية

الهدف من التربية إيجاد أشخاص مستقلين واثقين من أنفسهم ناجحين ومطمئنين، وتربطهم بوالديهم علاقة مودة واحترام. وقد أثبتت الدراسات والتجارب العلمية في هذا المجال، أن ثمة أساليب وطرقًا يمكنها تحقيق هذا التوازن الشخصي. تلك الأساليب والطرق هي التي تميز التربية الإيجابية.

أهم المبادئ التي ينبغي على الوالدين الالتزام بها هي تنمية تقدير الذات لدى الطفل والثقة بها. ويقصد بتقدير الذات الأفكار الإيجابية التي يؤمن بها الشخص عن نفسه، والإحساس الداخلي بالكفاءة والجدارة، والقدرة على الإنجاز والنجاح، والشعور بالرضا والطمأنينة.

بينت الدراسات أن السبع سنوات الأولى من عمر الطفل هي التي تحدد مدى ثقة الشخص بذاته وتقديره لها، وفيها يكتسب حوالى 90 بالمئة من أفكاره عن نفسه وعن الآخرين. لذلك عليك أن تعامليه باحترام منذ ميلاده وخلال مراحل نموه. فأنت بالنسبة إلى طفلك مصدر الأمان والراحة، أنت المرآة التي تعكس له من خلال تعاملك معه، من هو. يدرك من ابتسامتك أنك راضية عنه، ومن عبوسك أنك مستاءة منه، ومن صراخك وغضبك أنه مرفوض لديك. أساليبك في تربيته وتصرفاتك معه هي التي تبني صورته عن نفسه إما إيجابًا أو سلبًا.

مشاكل سلوكية شائعة

تتطرق المؤلفة في الجزء الثالث إلى المشاكل السلوكية الشائعة لدى الأطفال وطرق التعامل معها. فقد يتعرض الطفل منذ ميلاده وخلال مسيرة نموه إلى الكثير منها، على سبيل المثال: مشاكل تتعلق بالنوم أو الملبس أو المخاوف أو العناد أو الحركة المفرطة أو ضعف الانتباه أو الارتباط الشديد بالأم... وغالبًا تنتج تلك المشاكل بسبب النظام الأسري المضطرب الذي يؤدي إلى استعمال الوالدين لأساليب تربوية تميل إلى السلبية، كالضرب والصراخ والإهمال والحماية الزائدة... فالطفل ينمو نفسيًا واجتماعيًا من خلال العلاقة الحميمية التي تربطه بالوالدين ومن ثم بالآخرين المحيطين به. وطالما وفرت له تلك العلاقات الشعور بالأمان والحب والحماية والثقة، فإن نموه يسير في اتجاه إيجابي، أي اتجاه الصحة النفسية والعقلية. في المقابل، قد تُشعره تلك العلاقات بالخوف وعدم الثقة فيسير نموه في اتجاه سلبي، فتظهر لديه مشاكل في السلوك.

قد تكون الاضطربات السلوكية النفسية بسيطة، وتتلاشى خلال فترة قصيرة من الزمن، وقد تكون صعبة ومعقدة، فتحتاج إلى تدخل اختصاصي من أجل توجيه الوالدين إلى كيفية التعامل مع طفلهما الذي يعاني مشكلة ما.

وتتميز مشاكل الطفل في الفترة العمرية (من الميلاد إلى سن 7 سنوات) بالخصوصية. ففيها يتم ميلاد ذات الطفل (أو شخصيته) في بداية العام الثالث، فتظهر أزمة الميلاد التي أهم ما يميزها الميل إلى العناد ونوبات الغضب، حيث يدرك الطفل وجوده المنفصل عن الأم، وأنه ليس جزء منها، لكنه متعلق بها، وأن تصرفاتها مرآة له يدركها بشكل شخصي. إنه يحبها ويخاف من انفصالها عنه، ويغضب من سلوكها السلبي نحوه، ويشعر بالذنب إن هي غضبت منه أو راودته أفكارًا سيئة نحوها أو نحو أبيه. فيكون الصراع حتميًا، لأن موضوع التعلق (الأم) هو نفسه موضوع الخوف والغضب. وهذا التعلق بالأم يجعل اضطراب الطفل النفسي سهلاً في حال كانت الأم ذات شخصية مضطربة، أي تميل إلى الحزن وسرعة الغضب والقسوة والخوف والمعاملة السلبية عمومًا.

وعادة ما يلجأ الطفل إلى السلوكيات غير السوية كالعناد والحركة المفرطة والخوف والعدوان، ليعبر عن مشكلة نفسية يعانيها، لذلك لا بد من فهم الدوافع والأسباب التي أدت إلى ظهور تلك المشاكل، والتعامل معها على ضوء هذا الفهم.

ويحتوي هذا الجزء على مجموعة من المشاكل السلوكية الشائعة لدى أطفال هذه المرحلة، وأوضح طرق التعامل معها من أجل التغلب عليها، ومن أجل أن تصبح العلاقة بين الأطفال ووالديهم طبيعية ومتوازنة.

كتاب  «أطلق العملاق من داخل طفلك» يساعد الأهل والمربين والقيمين على العملية التربوية في المجتمع على استخراج أقصى ما يمكن من إمكانات وقدرات الطفل، والنتيجة إيجاد أشخاص مطمئنين واثقين من أنفسهم وناجحين مع الأسرة والمجتمع.