ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين
"ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، قد تكون هذه أشهر جملة في تاريخ جماعة "الإخوان"، لأن من قالها هو شيخهم ومرشدهم ومؤسس جماعتهم، وكأن هذه الجملة تحولت إلى لعنة تطاردهم، لكنها لعنة يصنعونها دائماً بأيديهم.حلم الخلافة، الذي سكن عقل حسن البنا ونفسه، تكونت بذرته الأولى في الثالث والعشرين من مارس عام 1928، عندما اجتمع هو وستة آخرون من العاملين في معسكرات الإنكليز، وأعلنوا أنفسهم جماعة "الإخوان المسلمين"، ولقب نفسه بالمرشد وكان عمره 22 عاماً.
تصور مرشدهم مراحل تكوين الجماعة في ثلاثة أجيال؛ جيل التكوين والجيل المحارب وجيل الانتصار، وخلال أربعة أعوام انتشرت الجماعة، وخرجت من حدود الإسماعيلية، وانتقلت بمركزها إلى القاهرة، وصار لها أفرع خارج مصر؛ في سورية ولبنان والسودان وفلسطين. وفي عام 1938، انتقل البنا بجماعته إلى الجيل المحارب، وتحول بجزء منهم للعمل العسكري، فبدأوا بفرق الرحلات ثم الجوالة التي تطورت إلى كتائب ثم أسر حتى وصلت إلى مرحلة التنظيم المسلح الذي عرف باسم الجهاز الخاص. على يد هذا التنظيم بدأت دماء تسيل وانفجارات تتوالى حتى الثاني والعشرين من مارس قبل يوم واحد من مرور عشرين عاماً على تأسيس الجماعة، وقام التنظيم السري باغتيال القاضي أحمد بك الخازندار، بعدما حكم في قضية أحد أطرافها عضو في جماعة "الإخوان المسلمين".وتطورت الأمور في الصدام بين الجماعة والدولة بعد سلسلة من أعمال العنف وإلقاء القنابل إلى قرار رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي آنذاك بحل الجماعة في الثامن من ديسمبر عام 1948، فقررت الجماعة الانتقام فأطلق أحد شباب الإخوان النار على النقراشي باشا في الثامن والعشرين من ديسمبر في بهو وزارة الداخلية فأرداه قتيلاً، ولم تقف حالة التوتر عند هذا الحد، فقام أحد أعضاء الجماعة في السادس عشر من يناير عام 1949 بمحاولة تفجير محكمة الاستئناف بباب الخلق بوسط القاهرة، وتم تفجير القنبلة خارج المبنى في الشارع العام بعد اكتشاف أمرها، ولا يعلم أحد على وجه التحديد لماذا خرج حسن البنا اليوم التالي ليصدر بيانه الشهير بعنوان: "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، من بين ما قال فيه، من بين هذه الحوادث التي تقع من أي طرف سبق الاتصال بجماعة "الإخوان" موجهاً إلى شخصه ولا يسعه "أي حسن البنا" إلا أن يقدم نفسه للقصاص أو يطلب إلى جهات الاختصاص تجريده من جنسيته المصرية التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء، هذا ما قاله شيخهم واختلفت وقتها التفسيرات، وكان من بين هذه التفسيرات كما يقول أحد قادتهم في ذلك الوقت إنه صدر ليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان، وهو أمر جائز شرعاً في الحرب، ويعد خدعة جائزة.ما فات هو جزء سريع من تاريخ طويل ليس هناك خلاف عليه حتى من أعضائهم، والدلالات واضحة، إنها جماعة نشأت لأهداف وأحلام تتجاوز الوطنية، ويحكمهم في ذلك مفهوم الغاية تبرر الوسيلة، ولا بأس أن يكون من بين هذه الغاية قنابل واغتيالات، وليس هناك ما يمنع من الكذب تحت ذريعة "الحرب خدعة"، لكن عن أي حرب يتحدثون؟ هي حرب من أجل السلطة والحكم، وهذا ما نشاهده بأعيننا اليوم في مصر مرة أخرى هو إعادة لسلوك متكرر ولكن في ظرف جديد، في ظل الجيل الذي تصور أنه الجيل الثالث جيل الانتصار.عندما ثبت للناس حقيقتهم أطاحوا بهم، وبالتالي دمروا حلمهم الذي اعتقدوا أنهم نالوه، فكان رد فعلهم الثابت على الأرض الآن إما "أن نحكم أو ندمر"، وبالتعبير المصري الدارج "فيها لأخفيها"، الأمر الآخر أن أذرعتهم في الخارج تقوم بذات المهمة دعماً لأهدافهم.