على مَن يظنون أن إدوارد سنودن يستحق الاعتقال أو ما هو أسوأ أن يفرحوا لأن مطار شيريميتيفو الدولي قد يكون المطار الأكثر كآبة وتدميراً للنفس البشرية في العالم. فتولّد الإضاءة الخافتة والسقف المنخفض شعوراً بهلاك وشيك، بينما تلمع الساعات الباهظة الثمن وسط هذه العتمة. تقدم بائعات متجهمات شطائر لا طعم لها ولا لون، في حين يرتشف رجال يرتدون بزات غير متقنة الصنع المشروبات. كذلك تملأ الهواء رائحة وقود غريبة، وتكسو طبقة رقيقة من الأوساخ المقاعد التي لا ظهر لها والأرضية الدبقة. لا شك في أن هذا ليس مكاناً تود أن تمضي فيه ساعتين، فكم بالأحرى يومين.

Ad

رغم ذلك، ما زال إدوارد سنودن يقيم فيه كضيف الحكومة الروسية. كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف كلاهما وهم أن سنودن "لم يعبر الحدود الروسية" لأنه ما زال في منطقة العبور في مطار شيريميتيفو. ولكن منذ يوم الاثنين، انتهك سنودن القانون الروسي، الذي يتطلب من أي يشخص يبقى في المطار أكثر من 24 ساعة أن يحمل تأشيرة عبور صالحة. فإما منحته السلطات الروسية هذه التأشيرة وإما سمحت له بانتهاك القانون. وفي كلتا الحالتين، تعمدت روسيا السماح له بالبقاء على أراضيها، هذا إذا افترضنا أنه ليس محتجزاً قسراً.

طالب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بترحيل سنودن "احتراماً لسيادة القانون". صحيح أن الولايات المتحدة لا تملك معاهدة ترحيل مع روسيا، إلا أن كيري أشار إلى أن الولايات المتحدة رحّلت خلال السنتين الماضيتين سبعة أشخاص إلى روسيا بناء على طلب هذه الأخيرة. لكن الروس لا يريدون في الوقت الراهن الالتزام على ما يبدو بحكم القانون. ولا عجب في ذلك بما أنهم لا يحترمونه في روسيا بحد ذاتها. ففي المرة الأخيرة التي هرب فيها عميل سري روسي سابق إلى الغرب، سممه العملاء الروس بالبلوتونيوم 210، ما عرّض الكثير في لندن وهامبورغ للأشعة.

لا تزال تفاصيل كثيرة مبهمة، وتبدو تقارير كثيرة غير دقيقة، ما يحول دون توصلنا إلى أي خلاصة بشأن وكالة الأمن القومي، باستثناء أنها فاشلة جداً في حماية معلومات يُفترض أنها سرية. لكننا نستشف من هذه المسألة تفاصيل مثيرة للاهتمام بشأن طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة. ففي هذا النطاق الضيق، يمكننا القول إن الحرب الباردة قد عادت: فها نحن نتعامل مرة أخرى مع حكومة روسية ترى العالم عقائدياً بالأبيض والأسود. فما هو سيئ بالنسبة إلينا جيد بالنسبة إليهم، والعكس. وإن كان سنودن مصدر إحراج للولايات المتحدة، فمن الضروري حمايته لأطول فترة ممكنة. وإن كنا نظن أن بشار الأسد حاكم قاس ومتهور يدمر سورية، فعلى روسيا إذن أن تدعمه. وإن كنا نخشى برنامج إيران النووي، تساهم روسيا في بنائه.

تتسم السياسة الخارجية الروسية بمنطق داخلي: تسعى لدعم شرعية النظام الحالي. لا تملك روسيا أي مصالح اقتصادية أو جيو-استراتيجية مهمة في سورية. لكن سقوط حاكم مستبد آخر قد يشجّع الشعب الروسي على النهوض. أما في قضية سنودن، فيدرس الروس خطواتهم بدقة. صحيح أن الرغبة في استخدامه كأداة دعائية مناهضة للولايات المتحدة قوية، لكنهم لم يثنوا عليه ربما لأنهم يخافون من تشجيع عمليات قرصنة وثائق حكومتهم الخاصة.

تشير هذه الواقعة إلى أن ما من نظرة عالمية واحدة يمكننا أن نتبناها في تعاملنا مع الحكومة الروسية. فما من اتفاق بشأن القواعد اللعبة الدولية، فكم بالأحرى حكم القانون؟ لا شك في أن هذا ينطبق على دول كثيرة. ولكن منذ تسعينيات القرن الماضي، يتمسك كثيرون في واشنطن بوهم أن من الممكن أو بالأحرى من الضروري إقامة علاقات مميزة بين هاتين القوتين العظميين السابقتين. فكان قرار بيل كلينتون السماح لروسيا بالانضمام إلى مجموعة الدول الثماني نتيجة تفكير مماثل، شأنه في ذلك شأن عملية "إعادة ضبط" العلاقات الروسية-الأميركية التي أطلقتها إدارة أوباما ولاقت الفشل.

لا يعني كل هذا أن ما من حل: من الممكن، كما اعتدنا خلال الحرب الباردة، أن تسعى السلطات الروسية لتسليم سنودن مقابل شيء أو شخص تريده، سواء كان جاسوساً أو مجرماً. قد تعتقله لفترة لترى ما إذا كانت تستطيع الاستفادة منه. وعندما تقرأ هذا المقال، قد يكون الروس قد سمحوا له على الأرجح بالسفر إلى بلد آخر، كما فعل الصينيون، ليتخلصوا من هذه المشكلة. لكنهم لن يرسلوه بالتأكيد إلى الولايات المتحدة كدليل على حسن نواياهم أو كخطوة أخلاقية، كما يأمل كيري. لا يمكننا توقع أمر مماثل إلا من بعض حلفائنا، وروسيا ليست بالتأكيد حليفتنا.

* آن أبلبوم | Anne Applebaum