إن من يسقطون في بئر الفقد غالباً لا يعودون، يشربهم الماء في لمحة بصر، فينتمون إلى قبيلة الجفاف.

Ad

يستحيل على المزن اقتفاء آثارهم الممحية.

لا تحتفظ طيور القطا باسمائهم في دليل هاتفها الصغير والذي تخبؤه تحت أجنحتها للاتصال بهم عند الضرورة!

السواحل لا تذكر من جيرتهم لها شيئا، إذ مرّ وقت طويل منذ أن رحلوا كما أفادت،

والسفن أنكرت ملامسة جلدها لهم ذات إبحار.

العشب لا يدين لهم بجميل.

إن من يسقطون في تلك البئر تشطب أسماؤهم من شجرة النسب لعائلة الماء.

فمن العبث أن نحمل صورة لغيمة ظناً منا أنها هم، وسؤال كل من نصادفه ما إذا كان قد رآهم.

إن من تختطفهم يد الفقد لا يمكن استرجاعهم من قبضتها.

تغرس تلك اليد في قاع رمال متحركة تلتهم كل من يحاول البحث عنهم فيها.

إذا ما سقط من تحب في بئر الفقد فلا تقفز خلفه بحثاً عنه، فذلك مجرد انتحار مجاني ليس له من مبرر.

من الحكمة ألاّ تفقد حبيباً آخر في ذات الوقت!

هذا الآخر هو أنت!

فاحرص على ألاّ تكون خسارتك مضاعفة.

احرص على أن تتمسّك بك جيداً، حتى لا تفرّ من بين أصابع روحك، أو أن تفر روحك من بين أصابعك.

تجنّب النوافذ المطلّة على الطريق التي سرقت خُطاهم، لا تصدق أن تلك الطريق من الممكن أن تعيدهم إليك سالمين.

لا تسكنك الظنون الكاذبة عند رؤية بعض أشيائهم الشخصية، والتي تركوها إما عمداً، أو لعدم اكتراثهم بها، أو أنهم استعجلوا الرحيل، أو أنهم قصدوا إيهامك بأنهم سيعودون!

انتظار من يهربون بقلوبنا على حين غرّة هدر للعمر. وسكب لماء النار على وجه الغد،

وليس من الفطنة أن نفكر بالركض خلفهم لاستعادة قلوبنا التي فرّوا بها، فما هذه سوى حيلة منهم لسرقة ما تبقى منا، بعد أن نسقط في البئر في أثرهم.

يجب أن نكون أكثر ثقة بأن قلوبنا حتماً ستعود إلينا بعد حين.

كل ما يتوجب علينا فعله هو البحث عن أقرب شجرة صبر والجلوس في ظلها مفترشين سجادة الخيبة بهم، حينها ستفتقدنا قلوبنا المأسورة لديهم، وستشعر بوحدتها معهم، وستنتهز أقرب فرصة للفرار منهم إلينا، فلا داعي أن نقلق!

يجب ألا نغادر ظل هذه الشجرة لأي سبب من الأسباب، ولنكن محتاطين من ألاعيب من رحلوا وخدعهم وقتها، كأن تتراءى لنا أطيافهم من بعيد لإغوائنا بمغادرة أماكننا التي اخترناها تحت شجرة الصبر، يجب ألاّ تنطلي علينا تلك الحيلة، وألا نترك ظل الشجرة حتى تصبح قلوبنا بين أيدينا، هذا هو السبب الوحيد الذي يجعلنا نغادر تلك الشجرة آمنين.

فقط حينئذ نصبح جاهزين لترميم حيواتنا التي أصابها العطب، ونكون مؤهلين للحب من جديد!