قبل أن نذهب لمشاهدة النسخة الأخيرة 2013 من فيلم غاتسبي العظيم عن رواية سكوت فيتزجرالد الشهيرة، دار نقاش بسيط بيني وبين ابنتي حول الفيلم والرواية. كانت ترى أن الفيلم يقدم رؤية أجمل من الرواية المكتوبة لاعتماده على مؤثرات بصرية وصوتية وقدرة على استخلاص الحوار بينما تتخذ الرواية بعدا واحدا وهو البعد القرائي.

Ad

وكانت تعتمد في استنتاجها هذا على مجموعة الروايات التى تقرأها مثل Hunger games لسوزان كولنز أو متتالية ستيفاني ماير وكان الدفاع عن مقدرة الرواية على التفوق هو أن تتمكن ابنتي من الخروج من رواية الفيلم الى رواية الرواية. فالرواية التي تعتمد في خيالها على السينما تتغلب عليها السينما في تحويلها الى فيلم أما الرواية التي تعتمد في خيالها على الرواية فتعجز السينما عن تأطيرها في ساعتين أو أكثر مهما بلغت التقنية السينمائية من ابهار يصل حد الاعجاز.

كانت رواية غاتسبي العظيم هي الرهان الأمثل. الجمال الروائي والنثر الوصفي الرائق لفيتزجرالد وارتباط الرواية بتاريخها الذي كتبت فيه لتصبح من أهم عشر روايات في العالم تمت الاساءة لها بقدر كبير من المخرج باز ليرمان رغم الجهد الاخراجي والانفاق السخي على الفيلم ليماثل حياة الناس في عام 1922.

ما توصلنا اليه، ابنتي بالذات، أن الأعمال الروائية العظيمة تتضاءل أمامها الأعمال السينمائية فلا يوجد مخرج بامكانه انصاف فولكنر أو جيمس جويس أو ماركيز في ساعتين أو أكثر. ورغم محاولات المخرج الجادة في الاعتماد على النص الروائي المكتوب وطرح مجموعة من عباراته الا أن الأجواء التي خلقتها الرواية هي الأجمل دون شك.

فشل المخرج في صناعة الراوي "نك كاراوي" والذي بدا ساذجا مرتبكا وتشابهت شخصياته النسائية "ديزي وجوردان" ولم يتفوق سوى غاتسبي الذي قام بدوره الممثل ليوناردو دي كابريو في اضفاء الجاذبية والأمل على شخصية البطل. ذكرني الممثل الذي بدأ قويا منذ "تايتنك" ببداية مارلون براندو في عربة اسمها اللذة ومدرسة ايليا كازان، والذي ولد في اسطنبول أيام الخلافة العثمانية لأبوين من الأقلية اليونانية، التي أخرجت للسينما الأسطورة الآخرى جيمس دين في شرقي عدن.

والمشهد الأكثر ابداعا في الفيلم هو اللقاء بين ديزي وزوجها بوكانن وحبيبها السابق غاتسبي بحضور الراوي كاراواي وجوردان والذي أدى فيه ليوناردو مشهدا قد يرشحه لجائزة أفضل ممثل لهذا العام. أما عدا ذلك فالفيلم يبدو مملا يكاد يقرأ الرواية ويفشل.

اعادة غاتسبي العظيم كان من المفترض أن تعيد الاعتبار للروائي الذي أرهقه العمل الأدبي في حياته كأحد الأدباء المهاجرين في باريس والذي كان يكتب ما يتفق ورغبات قراء المجلات وما كان يسميه همنجواي "العهر".

وبالرغم من تأثيره على أجيال من الكتاب حتى أطلق عليه ت.س. أليوت صاحب الخطوة الثانية نحو الرواية الأميركية بعد هنري جيمس المهاجر حينها الى بريطانيا. تحسنت حالته المادية في السنوات الأخيرة من حياته ولكنه توفي شابا في الرابعة والأربعين.

فشل السينما الكبير في تقديم الأعمال المهمة في الفن الروائي يؤكد أن القراءة والقراءة فقط هي السبيل للوصول الى جوهر العمل الأدبي ورفعته ولا تستطيع كاميرا أن تكون بديلا عن السرد الفني قدر استطاعتها تجسيد ما يكتب للسينما من أجل السينما.