«المآذن العالية» تقود الجيش المصري إلى معجزة العبور

نشر في 07-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 07-10-2013 | 00:01
مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي: توسيع جبهة الهجوم لتشتيت العدو الإسرائيلي درس تعلمناه من 1967
هذه هي القصة الكاملة والحقيقية لحرب أكتوبر 1973، وهي تختلف كثيراً عن كل ما صدر عن هذه الحرب من كتب... هذا التقرير، الذي يعتمد على مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي، يحاول الإضاءة على بعض الجوانب المجهولة خلال الحرب.

هكذا يشرح، منذ السطور الأولى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب أكتوبر، الفريق سعد الدين الشاذلي، أهمية مذكراته عن "معجزة الحرب"، التي تحل ذكراها الأربعون هذا العام، وتقدم "الجريدة" عرضاً لجانب من تلك المذكرات، الذي تناول "خطة العبور"، التي اتبعها الجيش المصري.

القائد العسكري الراحل، الذي اختلف مع الرئيس السادات سراً وعلانيَّة، قدَّم ثمناً باهظاً لما خطتْ يداه عن حرب أكتوبر، إذ عاش ممنوعاً من دخول البلاد لسنوات طويلة، وحوكم عسكرياً بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وصدر بحقه حكم غيابي بالسجن، قبل أن يعود بعد مقتل السادات 1981.

ولم تشفع سنوات قيادة الشاذلي، لمرؤوسه حسني مبارك "خليفة السادات في الرئاسة"، والذي كان قائداً لسلاح الطيران، المنضوي تحت قيادة رئيس الأركان الشاذلي، وبمجرد عودة الرجل إلى مصر، تم تنفيذ حكم السجن ضده.

 

مشاريع الحرب 

 

يقدم الشاذلي في الفصل الأول من كتابه صورة بانورامية عن الحالة التي كان عليها الجيش بعد نكسة يونيو واستعداده للحرب عبر المشاريع التدريبية، ويقول: "لم نكف عن التفكير في الهجوم على العدو الذي احتل أراضينا حتى في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو 1967، لقد كان الموضوع ينحصر فقط في متى يتم مثل هذا الهجوم؟ وربط هذا التوقيت بإمكانات القوت المسلحة لتنفيذه، وفي خريف 1968 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة تستطلع إمكانية القيام بمثل هذا الهجوم، على شكل "مشاريع استراتيجية" تنفذ بمعدل مرة واحدة كل عام، وكان الهدف منها تدريب القيادة العامة للجيش، بما في ذلك قيادات القوات الجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي وقادة الجيوش الميدانية، على دور كل منها في الخطة الهجومية".

اشترك الشاذلي في ثلاثة مشاريع للحرب قبل توليه منصب رئيس الأركان، منها مرتان بين عامي 1968 و1969 وكان قائداً للقوات الخاصة "المظلات والصاعقة"، والمرة الثالثة عام 1970، إبان توليه قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية، وقد جرت العادة أن يكون وزير الحربية هو المدير لهذه المشاريع، وأن يدعى رئيس الجمهورية لحضور جزء منها، واستمرت تلك المشاريع عامي 1971 و1972، أما المشروع الذي كان مقرراً في 1973، فلم يكن إلا خطة حرب أكتوبر الحقيقية التي نفذها الجيش المصري في السادس من أكتوبر في نفس العام".

 

المآذن العالية

 

تولى الفريق الشاذلي رئاسة الأركان في 16 مايو 1971، ويشرح في المذكرات أنه، بعد نحو شهرين من توليه منصبه، أصبح مقتنعاً أن المعركة يجب أن تكون محدودة، وهدفها هو "عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلاله، ثم اتخاذ أوضاع دفاعية بمسافة تتراوح بين 10 و12 كم شرق القناة، وأن تبقى هذه الأوضاع الجديدة إلى أن يتم تجهيز القوات وتدريبها للقيام بالمرحلة التالية من تحرير الأرض".

ويكشف الرجل، أنه عندما عرض أفكاره على الفريق، محمد صادق وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، عارضها بشدة، قائلاً إنها لا تحقق أي هدف سياسي أو عسكري، فهي من الناحية السياسية لن تحقق شيئاً وسيبقى ما يزيد على 60000 كيلو متر مربع من سيناء، بالإضافة إلى قطاع غزة، تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومن الناحية العسكرية، ستخلق للجيش المصري موقفاً صعباً.

كانت فكرة الفريق صادق في العملية الهجومية هي أن نقوم بتدمير جميع قوات العدو في سيناء، والتقدم السريع لتحريرها مع قطاع غزة في عملية واحدة مستمرة، ورد الشاذلي أنه يتمنى ذلك، إلا أنه ليس لدينا الإمكانات، وحتى إذا أعطى السوفيات لمصر الأسلحة التي تحتاج إليها، فإننا بحاجة إلى عدة سنوات للتدريب على مثل هذا الهجوم، وانتهت المناقشات بين وزير الحربية ورئيس الأركان، التي استمرَّت لأيام، على تجهيز خطتين الأولى تهدف إلى الاستيلاء على المضائق وسميت بـ"العملية 41"، والأخرى تضع الاستيلاء على خط بارليف هدفاً وسميت "المآذن العالية".

 

هجوم مضاد 

 

ينبه القائد المصري في كتابه، إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي "متى وكيف سيقوم العدو بهجومه المضاد؟!"، وظل هذا السؤال حاضراً في مناقشات جميع المشاريع الاستراتيجية، وكان الافتراض هو أن يرد العدو بهجومه المضاد التعبوي بواسطة لواءاته المدرعة والميكانيكية، ضد رؤوس الكباري بعد فترة تتراوح ما بين 36: 48 ساعة من بدء الهجوم، هذا فضلاً عن هجمات صغيرة خلال الساعات الأولى للهجوم، إلا أنه من السهل صدها.

ويلخص الشاذلي خطته بالقول: "لقد كانت خطتنا تتلخص في عبور أفراد المشاة المترجلين في قوارب مطاطية حاملين معهم أسلحتهم الخفيفة التي يستطيعون حملها أو جرها على الشاطئ البعيد، وكنا ننتظر أن تبدأ المعديات في العمل بعد 5 : 7 ساعات من بدء الهجوم، وستكون الكباري جاهزة بين 7: 9 ساعات من ساعة الصفر، وبحساب قدرة جميع المعديات والكباري المنصوبة، فإن الدبابات والأسلحة الثقيلة ستحتاج إلى 3 ساعات على الأقل للعبور والانضمام إلى المشاة، أي أن القوات لن تكتمل لكي تصبح قادرة على صد الهجوم المضاد قبل 12 ساعة من انطلاق الحرب".

 

الخطة بدر

 

يكشف الفريق الشاذلي أنه، في سبتمبر 1973 تم الاتفاق على تغيير اسم خطة "المآذن العالية" إلى الخطة "بدر"، وذلك بعد تحديد موعد الحرب في السادس من أكتوبر والذي جاء مواكباً للعاشر من رمضان، وتلخصت الخطة في شكلها النهائي في عدة محاور هي:

تقوم 5 فرق مشاة مدعمة بلواء مدرع، وعدد من الصواريخ المضادة للدبابات، باقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف، ثم تصد الهجوم المضاد المتوقع من العدو، وما بين 18: 24 ساعة من بدء الهجوم، تكون كل فرقة مشاة عمقت ووسعت رأس الكوبري الخاص بها لتصبح قاعدته 16 كيلومتراً وعمقه 8 كم، وبعد 48 ساعة من بدء الهجوم تكون كل فرقة مشاة داخل كل جيش سدت الثغرات الموجودة بينها، واندمجت مع بعضها في رأس كوبري واحد لكل جيش، وبعد 72 ساعة من انطلاق العمليات يكون الجيشان الثاني والثالث قد وسعا رأس الكوبري الخاص بكل منهما، بحيث يندمج الاثنان في رأس كوبري واحد، لتبدأ الوحدات في الحفر واتخاذ أوضاع الدفاع.

يبرر الشاذلي في مذكراته قرار عبور قناة السويس على مواجهة موسعة، بأنه عقيدة ثابتة استقرت في التفكير العسكري المصري منذ 1968، للأسباب التالية: أولاً لأن المواجهة الصغيرة -كما هو الحال في محاولات العبور عبر التاريخ- ستعرض القوات لضربات جوية شديدة، أثناء تجمعها أو عبورها.

ثانياً، لأن مشاركة فرق المشاة المكلفة بـ"الدفاع" غرب القناة في القيام بالهجوم، ستسهل بقاء القوات الأخرى المكلفة بالهجوم في خنادقها والاختفاء والوقاية لأكبر فترة ممكنة، قبل انطلاقها في الهجوم.

ثالثاً، لأن الاستفادة من التجهيز الهندسي الموجود في كل منطقة لأغراض الدفاع للاستعانة به وتوفير أعمال التجهيز الهندسي لحظة العبور، وكسب الوقت.

 

back to top