تلاوة الظل

نشر في 01-04-2013
آخر تحديث 01-04-2013 | 00:01
 فوزية شويش السالم لا أدري إن كان يحق لي أن أكتب عن هذا الشعر أو أدع الشعر وحده يقول الأفضل مما سأقوله، فهذا الديوان كان مفاجأة لي بحق، ليس بسبب عمق إحساسه وجدة صوره فحسب، لكن الصورة التي في ذهني وربما تكون هي نتيجة للصورة النمطية المطبوعة عن الشعراء بشكل عام، وعن شاعر الديوان «سيد محمود» الذي لم أتوقع أنه يكتب الشعر، وشعر رائع بهذا المستوى الذي رفع مؤشر حساسيتي ودرجة فضولي تجاه معرفتي بسيد محمود الذي أعرفه واكتشفت بعد هذا الديوان أنني لا أعرفه وندمت على ذلك، فالصحافي المجتهد الشاطر لم يترك لي أي مجال لمعرفة الوجه الآخر لهذا الشاعر المختبئ بحياء وتواضع خلف صحافي ابتلع الضوء كله.

فهذا السيد محمود الذي أعرفه وأكاد لا أعرفه، ولمت نفسي كثيرا لأني لم أمنحها الفرصة الكافية لمعرفته، شعره حرك فضولي النهم تجاه معرفته والغوص في أعماقه وكشف الغطاء عن منبع شعره، ومن أين تفجرت قصائد هذا الديوان التي حركت وقلبت مياه البحيرة الراكدة، وبعثت بجنية القاع التي نفثت ذرات السحر وأيقظت سبات الأرواح ببهجة غير متوقعة، فهل ننتظر أن تهب علينا نسائم الشعر حتى تنبهنا الى معرفة نكاد ننساها في تصافحنا الأول والثاني وحتى الأخير.

لا أعرف منذ متى قابلت سيد، فباب الصداقة لم يفتح على مصراعيه حتى تأتي المعرفة بثمارها، فهذا الشعر المبهر جعلني أنبش في كل قصيدة عن تفاصيل سيد محمود، وأدور عن مخابئ روحه السرية التي أتت بهذا البهاء كله، فهل ننتظر أحيانا أن يأتينا شعر جميل يوقظ إحساسنا بسؤال يلفحنا بمن يكون هؤلاء الذين نعرفهم ولا نعرفهم إلا بالأسماء، تقربنا وتقربهم مسافات لا تتعدى حدود مصافحة الأكف في سلام عابر.

ديوان «تلاوة الظل» شعر يمس الروح برشاقة عصى سحرية نكاد لا نشعر بها إلا من بعد انخطافها برشقها الآسر، وهذا ما يُسمى بالشعر الذي لا تدري من أين يأتي سحره، ومن أين يأتي أسره؟

شعر لا يفكك ولا يُحلل ولا ينقد، فقط تنزل ذبذباته على الوجدان بوهج بهجة لا تُفسر، لأنه شعر يخاطب الحس فُيشعر قارئه باللذة وبنشوة عجيبة، كل قصيدة فيه مميزة بوهج خاص لدرجة حيرتني في الاختيار، فالقصائد هنا لا تترك حق الاختيار فكلها رائعة، تخلع القلب بشجن غريب، فلا تدري ان كنت تتوجع أو تبتهج وتفرح، فهذا شعر لا يترك للقارئ إلا قلبا مخطوفا بقصائد رائعة، وهذه مختارات من شعر مقطر خالص: «1 - أنا الأعمى الذي لم يعد يخاف/ الأعمى، الذي يتعثر في الضوء. 2 - لستُ ظلا لأتبعها/ ولا ضميرا لأكتشف نواياها/ ولا ملاكا لأرفقها إلى النوم. 3 - قديمة/ مثل كنز/ وكل من مروا عليك/ كانوا أهل كهف. 4 - أنت شجرة/ تنمو أوراقها في ضلوعي/ أم تترك أولادها للهو في ظلي/ وكلما ابتسموا/ تغرد/ العصافير التي فرت من يدي. 5 - أنت زهرة/ وأنا آنية من خزف/ بدأنا معا من طين الحديقة. 6 - أمامك/ يفرد الله قلبي/ قطعة قماش/ تقول لأناملك:/ فصليني ثوبا لوردة. 7 - أنت حديقة مزروعة بأشجار ملونة/ وأنا بستاني وصلت يدك بينه وبين الربيع/ فلما انهمر ماؤك/ هربت الصحراء من بين أصابعي. 8 - تغفو قبل أن تدق أبواب الليل/ تنام وتترك الوقت/ ذئبا جائعا ينهش الأمل. 9 - أحسد الشاي الأخضر/ يتودد لك في غيابي/ تصدقين دفئه/ تأخذينه إلى فمك/ دمعه الساخن يروي لك ألم الطريق/ من حقل إلى كوب. 10 - كل موعد/ تأخذين قلبي من يده/ تشترين له مشاعر جديدة/ يلبسها/ والوقت شحاذ عجوز/ ننهره عن طريقنا بابتسامة/ بينما الأمل طائرة ورقية/ خيطها معك. 11 - مثل مئذنة، أبصرها، فأسمو/ ألمحها نجمة، فتضيء/ يا رب/ ساعدني لأصعد مئذنتي. 12 - امنحها من نورك/ ما يجعلها منارة أو شمسا/ امنحها من فيضك ما يجعلها غيمة/ اجعلها النهر/ وابق على عطشي».

back to top