في كتاب «كيف نقرأ الأدب» يعالج تيري إيغلتون أسئلة مثيرة، إضافة إلى كثير من الأسئلة الأخرى. ففي سلسلة من التحليلات البارعة، يوضح لنا إيغلتون أسلوب القراءة مستعرضاً تقنيات النبرة والسجع والبنية والأسلوب والتورية والطِباق والجناس إلى جانب نواحٍ عدة أخرى من التوجهات الأدبية. كذلك يبحث في مسائل أوسع تتناول الشخصيات والعقدة والحوار والخيال الخلاّق ومعنى الرواية، إضافة إلى التفاعل بين ما تظهره الأعمال الأدبية وما تضمره. ويتابع: {أعتقد أنني معروف أكثر من أي شيء آخر بأنني منظّر أدبي وناقد سياسي، وقد يتساءل بعض القراء عمَّا آلت إليه هذه الاهتمامات في الكتاب، والجواب هو أن المرء ليس في وسعه طرح أسئلة سياسية أو نظرية عن نصوص أدبية من دون قدر من الحساسية تجاه لغتها. ومن هنا، إن اهتمامي في هذا الكتاب يتمثل في أن أوفر للقراء والطلبة بعض الأدوات الأساسية في مهنة النقد التي من غير المرجح أن يكونوا قادرين لولاها على الانتقال إلى قضايا أخرى. ويحدوني الأمل في أن أبين أثناء الدرس أن في وسع التحليل النقدي أن يكون متعة، فيساعد بذلك في هدم الخرافة القائلة إن التحليل عدو المتعة}.

Ad

يكتب ايغلتون في تقديمه لكتابه: «فن تحليل الأعمال الأدبية يقترب «من الموت واقفاً على قدميه شأنه في ذلك شأن رقصة القبقاب. ثمة تراث برمته أسماه نيتشه «القراءة البطيئة» معرَّض لخطر الاندثار من دون ترك أي أثر». وهو يسعى من خلال الكتاب إلى تسليط الضوء على بعض القضايا مثل السرد والحبكة والشخصية ولغة الأدب وطبيعة الرواية ومشكلات التفسير النقدي ودور القارئ وموضوع الأحكام النقدية. يقدم الكاتب مطالعته حول الكلاسيكية والرومنطيقية والحداثة وما بعد الحداثة إلى جانب نظرة في أعمال مجموعة مؤثرة من الكتّاب انطلاقاً من شكسبير وجاين أوستن وصولاً إلى صاموئيل بيكيت وج. ك. رولينغ.

بطريقة سردية شاملة يبين إيغلتون مجموعة من الجوانب في الروايات والقصائد الشعرية مثل الافتتاحيات والشخصية والقيمة الأدبية والتفسير، ويصل إلى كثير من الاستنتاجات المهمة، فيعتبر أن أكثر الأخطاء التي يقترفها طلاب الأدب شيوعاً يتمثل في السعي إلى معرفة ما تعبر عنه القصيدة أو الرواية، غاضين الطرف عن الأسلوب الذي تعبر به. وإن إحدى أكثر الوسائل شيوعاً لفحص الطابع الأدبي لمسرحية أو رواية هي معاملة شخصياتها وكأنهم أناس اعتياديون ويبدو من الصعب تجنب هذا الموضوع.

التفسير

في فصل حول التفسير الأدبي يقول إيغلتون إن أحد المعاني التي نعنيها عندما نصف فقرة مكتوبة بأنها أدبية هو أنها غير مرتبطة في سياق محدد. والأعمال الأدبية يتيمة منذ الولادة. مثلما أن والدينا لا يواصلان السيطرة على حياتنا عندما نتقدم في العمر، فإن الشاعر لا يمكنه بدوره أن يقرر السياق الذي سوف يقرأ فيه كتابه ولا المعنى الذي يرجح أن نستخرجه منه.  وبعض الأعمال الأدبية تقاوم التفسير أكثر من غيرها. ففي حين تغدو المدينة أكثر تعقيداً وتشظياً، فالأمر نفسه ينطبق على التجربة الإنسانية، وعلى وسطها الأدبي الذي هو لغة ايغلتون الذي يغوص في كثير من الروايات والقصائد كدلائل على نظريته الأدبية، يسأل ما الشيء الذي يجعل العمل الأدبي عملاً جيدا أو رديئاً أو وسطاً ليس بالجيد ولا بالرديء؟ ثمّة أجوبة عدة عن هذا السؤال شهدتها القرون الزمانية المنصرمة. عمق البصيرة، الواقعية، والحدة الشكلية، ونيل الإعجاب الشامل. ويرى النقاد أن الأصالة ذات أهمية كبيرة، فكلما كان العمل الأدبي مخاصماً التقاليد والأعراف، ومفتتحاً بذلك شيئاً ما جديداً تماماً، فإن المرجح هو أن نضعه في مرتبة عالية. لكن ليس كل جديد ذا قيمة.

وفي تقديمه للكتاب يشير محمد درويش إلى أنه ربما لم يعرف قراء النقد الأدبي العرب ولا المهتمون بقضايا اتجاهات النقد الأدبي الحديث التي أبدع تيري إيغلتون فيها دراسة ونقداً وتحليلاً وتفسيراً منذ صدور كتابه النقدي المهم الأول {كنيسة اليسار الجديد} في عام 1966، مروراً بكتبه الأخرى ذات القيمة النقدية الرصينة مثل {شكسبير والمجتمع} 1966، و{المنفى والمهاجرون، دراسات في الأدب الحديث} 1970، و{الجسد لغة: مختصر لاهوت اليسار الجديد} 1970، و{النقد الإيديولوجيا} 1976، و{الماركسية والنقد الأدبي} 1976 و{ولتر بنيامين أو نحو نقد ثوري} 1981، و{اغتصاب كلاريسا: الكتابة والجنس والصراع الطبقي عند صموئيل ريتشاردسن {1982، إلا بعد صدور كتابه {النظرية الأدبية} في عام 1983، ونقل إلى العربية بعد ذلك بسنوات فوجد فيه القراء والمهتمون صفحات جديدة بالغة الأهمية من النقد الأدبي والأكاديمي الرفيع المستوى لما فيه من كشوفات جديدة سلطت الضوء على أهمية ميدان النظرية الأدبية في الدراسات النقدية المعاصرة.

وقد ظل الاهتمام قائماً بهذا الناقد الكبير وبكتابه المشار إليه أعلاه في الغرب كما في العالم العربي سنوات طويلة، حتى بعد صدور كتبه الأخرى المهمة والتي لم تترجم إلى العربية.