ذكرت في مقالي السابق أنني يجب أن أتأكد من حقيقة انتمائي للوطن قبل أن يباغتني الوطن باختبار انتمائي إليه، فأُصدَم  به!

Ad

يجب أن أتأكد من أن طعنته لن تكون بيدي، ولن أكون حتى جزءاً من الخنجر ولا حتى نواياه!

يجب أن أتأكد من أنني لن أقتلني، وأنني أكره الدم حق كرهه!

فنحن قبل أن نخضع لذلك الاختبار الذي يحدد انتماءنا مجرد مقيمين، وقد نكون مقيمين شرفاء وقد نكون عكس ذلك، وقد نموت دون أن نعلم، بعض منا فقط يكرمهم الوطن ويصطفيهم خلال حياتهم فيباغتهم بذلك الاختبار فيعرفون أنهم مواطنون يستحقهم هذا الوطن.

 حينها فقط نعرف أننا فعلا قنابل موقوتة وشديدة الانفجار ولكن ليس في أي جزء من أجزاء غالي جسده، وإنما رهن إشارة يده فقط.

نعرف أننا لن نكون قهوة دمعته المُرة، ولن نرضى حتى أن نكون منديلها، لأننا على يقين أن هذا لن يحدث، وإن حدث لنتأكد أننا لن نكون هناك مع من يستقبلون العزاء لأننا سنكون قطعة من خرقة الكفن.

الأوطان التي نسي أفرادها أن يطمئنوا على صحة انتمائهم لها من حين إلى آخر، غرقت في غياهب الدجى!

حينها اكتشفوا متأخرين أنهم يعانون فعلاً من... أزمة انتماء!

لم تكن أزمة خبز، ولا حرية ، ولا كرامة، ولا طائفية، ولا أخلاقية، حتى وأن وُجدت كلها حقيقة،

فالريح التي عصفت وعاثت في تلك الأوطان من بين كل تلك الأزمات كانت أزمة الانتماء!

حتى لدى الفكر الذي يحكم تلك الأوطان والسلطة الحاكمة وليس الأفراد فقط، تفشّت أزمة الانتماء للدرجة التي لم يعد يضيرهم أن يروا منظر الوطن مربوطاً يُحرق عارياً، منهم!

بل لم يعد يُخجلهم أن يحملوا مشعلا لرميه بين الحطب!

بعض السلطات فهمت الانتماء على أنها لا تنتمي وإنما فقط يُنتمى إليها!

 أما إذا كان لديها انتماء فحتما لم يكن للوطن، لأنهم ببساطة آمنوا بأنهم الوطن! وأنهم ليسوا الجزء الأهم، أو الأعلى، أو الأغنى، أو الأقوى، أو...أو...إلخ ،لا هم ببساطة آمنوا بأن الوطن هم فقط!

وأن من ينتمي للوطن يعني بالضرورة أنه ينتمي لهم، ومن لا ينتمي لهم يكون إنتماؤه لغير الوطن.

أحيانا ما دفع تلك الحكومات للتصرف كذلك الإحساس بأنهم صانعو مجد الوطن  الحاضر أيّا كان ذلك المجد فأصبح من حقهم امتلاكه! والأفراد لم تأخذ بيد السلطة لتخرجها من ذلك اللبس، لأن انتماءهم لم يكن إلا لأن يكونوا ضد أشخاص السلطة (وليس السلطة بحد ذاتها) ولا انتماء عندهم لغير ذلك الشعور، بما في ذلك الشعور بالانتماء للوطن!

وجزء مما جعل أفراد تلك المجتمعات يحملون هذه المشاعر هو السلطة ذاتها، هي من حرفت مؤشر بوصلة الانتماء لدى المواطنين وقبلها بوصلة انتمائهم ليقف عقرب تلك البوصلة  مؤشرا على صدرها، فكيف خطر لها أن تأمن!!

أفراد تلك المجتمعات وحكوماتهم لم يكن يستحقون سوى تأشيرة «مقيم تحت المراقبة» للشكوك في أن شهادة سلوكه المرفقة بانتمائه مشتبه في تزويرها.