قبل أيام فجعت قلوب أهل الكويت برحيل شباب بأعمار الزهور اليافعة، إثر حادث أليم وفظيع، حادث لا يستطيع أحد أن يفسر كيفية حدوثه، ومهما كانت أسبابه، لا نقول إلا... لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله... وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Ad

نحزن على فراق الأحبة، ونشعر بالمرارة على فقدانهم، خصوصاً عندما تكون أعمارهم لم تنه العقد الثاني، هنا تزداد المرارة، وتشتعل الحسرة، ويشتد ألم الفراق.

ولكن ما يهون علينا كل ذلك، ساعة الوفاة ومكانها، فلقد استرجع الله أمانته في شهر هو أفضل الشهور، وفي بقعة هي أشرف بقعة على وجه الأرض، كانوا في طريقهم من مكة المكرمة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحسبهم مهاجرين إلى الله ورسوله، فبعد أن أدوا العمرة في هذا الشهر الفضيل التي تعادل حجة مع النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد أن طهروا أنفسهم وزكوها من الذنوب والمعاصي، ساروا إلى ربهم مقبلين وكلهم طهارة ونقاء.

رزقهم الله هذه الخاتمة الطيبة والمفرحة، جزاء بما كانوا عليه في حياتهم، فعندما نتعرف على حال هؤلاء الشباب من قبل، نرى أنهم شباب ملتزم بدينه، كان أحدهم يتسابق مع مؤذن المسجد كي يؤذن، حافظين لكتاب الله، ومنهم من يقف إماماً بالناس في رمضان في التراويح والقيام، يشهد لهم القاصي والداني بحسن الخلق وطيبة النفس والمعشر.

يقول الله عَزَّ وجَلّ: "يا أيها الذي آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم، فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم، فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد".

 وروى مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها".

فنقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، وأولئك الشباب وفاتهم فيها البشرى لهم ولذويهم، فنحن نحسبهم على خير ولا نزكيهم على الله، وبإذن الله هم الآن في بساتين الجنة مع الحور العين.

فمن كانت خاتمته بعد عمل جليل، وقربى إلى المولى القدير، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولتكن دموعنا دموع فرح لهم لا دموع حزن على فقدانهم، فهم أمانة استرجعها صاحب الأمانة، استرجعها بأحلى صورة لها، استرجعها بعد أن زكاها فهو خير من يزكيها، فلنفرح لهم على هذه الخاتمة الطيبة الزكية، التي كلها بشارات خير لهم ولنا.

اللهم إنّا نسألك أن تغفر لموتانا وموتى المسلمين، وألحقنا بهم في جنات النعيم، مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.