كشف السفير السويسري لدى الكويت أيتيان تيفو أن بلاده علمانية، وحرية الأديان فيها مصونة إلى جانب التسامح تجاه مختلف الأديان والأقليات، مشيراً إلى وجود مبادرة للتسامح طرحت مؤخراً بحظر بناء مآذن للمساجد.

Ad

وقال تيفو خلال لقاء أجراه مع «الجريدة» إن الكويت تطبق الإسلام المعتدل الذي أكسبها الكثير من الاحترام بعيداً عن التعصب والغلو، إلا أنها بحاجة إلى حل قضيتي البدون ومعاملة الكفيل مع الجاليات الأجنبية والتعامل معهما من خلال الحوار.

وبيّن السفير أن بلاده تولي اهتماماً خاصاً لقضايا حقوق الإنسان، وأنها تعد تقريراً سنوياً عن أوضاع حقوق الإنسان في جميع دول العالم، مبيناً أن أداء الكويت جيد على المستوى الإقليمي في هذا المجال من خلال حرية التعبير المصونة التي تؤدي إلى وجود الحوارات السياسية الوطنية، إلى جانب دورها في ضمان حصول انتخابات حرة ونزيهة، وكانت مجريات اللقاء كالتالي:

•  في البداية كيف تقيم العلاقات الكويتية- السويسرية على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟

- العلاقات بين الكويت وسويسرا ممتازة، ولكنها ليست مقتصرة على العلاقات الرسمية بين الدولتين، بل تعززها روابط قوية ومتعددة الأوجه على مستوى الأفراد والعلاقات الشخصية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من أوجه التشابه بين البلدين، إذ إن كليهما محاط بدول كبيرة، كما أن الدولتين تشتركان في ميلهما إلى الحوار وإقامة السلام بين الدول. ويسرني أن أذكر أن كلا من سويسرا والكويت لديهما برلمان، وهناك فرص طيبة بتطوير العلاقات بين هاتين المؤسستين، ويسعدني أن أشير في هذا الصدد إلى الدعوة التي وجهها مؤخراً رئيس البرلمان السويسري إلى نظيره الكويتي لزيارة سويسرا.

كانت رئيسة سويسرا قد قامت بزيارة الكويت عام 2010 ثم أعقبها زيارة رئيس وزراء الكويت السابق سمو الشيخ ناصر المحمد إلى سويسرا في 2011، وكان برفقته وفد رفيع المستوى من ضمنه أربعة وزراء. وكذلك يسعدني أن الكثير من الكويتيين بمن فيهم الشخصيات الرسمية يقومون بالتوافد على سويسرا بزيارات خاصة  عدة مرات في السنة للمتعة والسياحة، أو لمتابعة الأعمال التجارية والاقتصادية، وإني لأنتهز هذه المناسبة لأرحب بهم ولأشكرهم لاختيارهم أن يكونوا ضيوفنا.

هذا وتعتمد سويسرا إلى حد بعيد على تبادلها الاقتصادي والتجاري  مع العالم الخارجي، إذ إن ثلثي دخل الدولة يأتي من صادراتها، وتأتي في طليعة تلك الصادرات الأدوية والآلات الصناعية والساعات، أما بالنسبة للعلاقات التجارية مع الكويت فإن سويسرا تصدر لها نفس تلك المواد ويضاف عليها المجوهرات، فضلا عن الكثير من البضائع الأخرى المتعددة. ورغم أن سويسرا لا تشتري النفط الكويتي لاستعمال أسواقها، فإنه تجدر الإشارة إلى أن العديد من الشركات التي تتاجر بالنفط والتي تتخذ من جنيف مقراً لها تتعامل بالنفط الكويتي وتزود الأسواق العالمية به.

  كما أود أن أضيف أن سويسرا قد طورت الكثير من المنتجات التكنولوجية في العديد من المجالات ومنها الطاقة المتجددة وحماية البيئة، إذ إن هناك ما لا يقل عن 315 شركة عاملة في مجال حماية البيئة، والكثير منها كان قد أعرب عن اهتمامه بالتعامل مع منطقة مجلس التعاون الخليجي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن وفداً مكوناً من تسع شركات سويسرية متخصصة في معالجة المياه سيزور الكويت في الأول من مايو المقبل، لبحث أوجه التعاون المحتملة وإيجاد شركاء محليين. ومن جهة أخرى فإن السفارة على تواصل مع معهد الكويت للأبحاث العلمية بشأن مشروع لإعادة تأهيل التربة كأحد أشكال التعاون العلمي بين البلدين. كما تسرني الإشارة إلى أنني زرت كلية الآداب بجامعة الكويت مؤخراً وتباحثت مع عميدة الكلية بشأن سبل التعاون مع جامعة جنيف، التي لديها قسم للدراسات العربية. ومن جهة أخرى فإن جامعة الكويت تتعاون أيضاً مع إحدى الجامعات السويسرية في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال.

حقوق الإنسان

•  كيف ترون أوضاع حقوق الإنسان في الكويت؟

- تولي سويسرا اهتماما خاصا بقضايا حقوق الإنسان، وهذا ما تعرف به تاريخيا كما أنها تعد تقريراً سنوياً عن أوضاع حقوق الإنسان في كل بلد من العالم. وأستطيع القول إن أداء الكويت جيد على المستوى الإقليمي قي هذا المجال، حيث إن حرية التعبير مصونة وهي التي تؤدي إلى وجود حوارات سياسية وطنية، بالإضافة إلى دورها في ضمان حصول انتخابات حرة ونزيهة.

ومن الايجابيات التي تتمتع بها الكويت أن دور النساء فيها لا يقتصر على الإسهام في النهضة الاقتصادية فقط بل يشمل أيضا مشاركتهن في الحياة السياسية، حيث وصلن إلى مجلس الأمة وأعلى المناصب الحكومية.

وحين جاءت ابنتي المتخصصة في العلوم السياسية لتزورني في الكويت، وكان ذلك أثناء إجراء الانتخابات بالكويت فوجئت بما رأته، حين وجدت أن المرأة الكويتية تشارك بصورة فعالة في الحياة السياسية، حيث لم تكن تعلم بهذا التطور، لان الصورة السائدة عن دول الخليج أن المرأة لا تشارك في الحياة السياسية مشاركة فاعلة.

ومن القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان موضوع الكفيل، وهذه القضية ليست مقتصرة على الكويت بل توجد بدول الخليج الأخرى، وهي من القضايا التي تحتاج إلى أن يتم التعامل معها عبر الحوار، بحيث يتم الوصول إلى حلول تؤدي إلى تحسين أوضاع العمالة الأجنبية. وفي الكويت يوجد الكثير من منظمات المجتمع المدني في الكويت ولها دور فعال في مجال حقوق الإنسان، وهذه نقطة مضيئة لأن تلك المنظمات تثري الحوار بشأن حقوق الإنسان بالنسبة للأفراد. وكنت اجتمعت مع ممثلي بعض تلك الجمعيات وكان لي معهم حوارات بناءة.

وفي هذا السياق لا يسعنا إلا أن نتطرق إلى قضية «البدون» ولكن الشيء الايجابي في هذا الصدد هو أن القضية قيد البحث الجاد لإيجاد الحلول، وهي على أجندة الحكومة ومجلس الأمة معاً، ومما يجعلني متفائلاً هو أن الصحافة المحلية قد ذكرت مؤخرا انه قد تم إقرار منح الجنسية لأربعة آلاف شخص من البدون.

وهناك أيضا موضوع الكفيل وهذه القضية ليست مقتصرة على الكويت، بل توجد في دول الخليج الأخرى، وهي تحتاج إلى أن يتم التعامل معها عبر الحوار بحيث تؤدي الحلول إلى تحسين أوضاع العمالة الأجنبية، وعلى ذكر الحلول لابد من الإشارة إلى أن هذه القضية ذات أبعاد دولية، وبالتالي يتم التعامل معها عن طريق منظمة العمل الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

«الربيع العربي»

• ما وجهة نظرك في الأحداث السياسية التي حدثت في الكويت والنزول إلى الشارع؟ وهل هي نتاج الربيع العربي؟

- بالنسبة إلى مصطلح الربيع العربي، من الصعب أن أجده متوافقاً مع ما يجري في الكويت، لأن الأوضاع في كل بلد عربي تختلف من دولة إلى أخرى، ولا تصح المقارنة، إذ لا يمكن مقارنة الكويت بمصر وسورية مثلاً.

من الطبيعي أن يكون للمجتمعات تطلعات ربما مشروعة في معظمها، ولابد من الاستجابة لتلك التطلعات، ومن حسن الحظ أن دولة كالكويت لديها مؤسسات يمكنها أن تحقق تلك الآمال، كما أن مشاكل الشباب من حيث التزامهم بمسؤولياتهم تجاه الدولة ليست مقتصرة على الكويت، وقد عشت هذا الإحساس بنفسي مع ابني وابنتي، وهما الآن في العشرينيات من العمر، واعتقد أن من مسؤولية الدولة والأسرة أن يجعلا الشباب يتقبلون مهامهم كمواطنين ودورهم في صياغة مستقبلهم.

مشكلة «البدون»

•  حدثنا عن أوروبا عموماً وعن سويسرا بشكل خاص... هل لديكم مشكلة «البدون» كما في الكويت؟

- لا يمكنني التحدث عن الاتحاد الأوروبي لأن سويسرا ليست عضواً فيه، أما عندنا فتبلغ نسبة الأجانب 23%، وهي أعلى نسبة في أوروبا، وأستطيع القول إن سويسرا استفادت منذ قرون من خبرات ومساهمات الجاليات الأجنبية بها، ولاسيما في صناعة الساعات وقطاع المصارف، غير أنه كانت لدينا في سبعينيات القرن الماضي دعوات لإبعاد العمالة الأجنبية من البلاد.

•  ولكن كيف سيكون حال سويسرا من دون مساهمات هؤلاء الأجانب؟

- العمالة القادمة من الدول الأوروبية المجاورة اندمجت بسهولة أكبر في المجتمع السويسري لاعتبارات مجتمعية وثقافية مقارنة بأولئك القادمين من مناطق أخرى من العالم، وحتى هؤلاء تمكنوا في نهاية المطاف من الاندماج في النظام السويسري، ولا بد لي أن اذكر انه في بعض المدن والكانتونات السويسرية يتاح للمقيمين أن يشاركوا في انتخابات البلدية والكانتونات.

•  لدى سويسرا نظام مصرفي متطور ذو خبرات واسعة... فهل ترى الكويت استفادت من هذا الجانب؟

- يواجه النظام المصرفي العالمي حالياً ضرورة إحداث تغيير شامل وإعادة هيكلة، وتقوم البنوك السويسرية الآن بدورها في هذا المجال، وهي لا تزال تنافسية على اعلى المستويات ولا تزال تحظى بثقة عملائها، وليس دور البنوك السويسرية مقتصرا على إدارة أموال أثرياء العالم، بل أيضا تشكل عنصراً مهماً في نمو وتوسع اقتصادات البلدان التي تعمل بها.

•  حدثنا عن السياحة في بلادكم وكيف ترى السياحة في الكويت؟

- يعود تاريخ التواصل بين الغرب والعالم العربي إلى عدة قرون، ولكن السياحة نشاط جديد نسبياً، وصحيح أن الكويت ليس فيها أهرامات ولكنها تقدم صورة مشرقة ومقنعة عن كيف يستطيع بلد عربي أن يتفهم ويجاري الحداثة في الوقت الذي نرى فيه بعض الدول العربية عجزت عن ذلك بما فيها من عنف، وبالتالي اعتقد أن الكويت تستحق تحية إكبار في هذا الصدد، وقد تم توجيه الدعوة لدولة الكويت للمشاركة في معرض دولي عن السياحة سيعقد في مدينة لوسيرن السويسرية وأرجو أن نرى الكويت مشاركة فيه.

أديان وأقليات

•  سويسرا بلد علماني... فهل تعانون أزمات طائفية؟

- أجل سويسرا بلد علماني وحرية الأديان فيه مصونة ومنصوص عليها في الفصل الأول من الدستور. والواقع أن التسامح تجاه مختلف الأديان وتجاه الأقليات كان ولا يزال جزءا هاما من تاريخ البلد،. ومن ضمن مظاهر التسامح أيضا أن يتقبل الناس فكرة أن يقوم البعض بطرح مبادرة ضد «التسامح»، وفي هذا الإطار يمكن فهم المبادرة التي طرحت قبل بضع سنوات، والتي يتم بموجبها حظر بناء مآذن للمساجد في سويسرا.

•  هل ترى أن في الكويت تسامحاً دينياً مثل سويسرا؟

- تطبق الكويت الإسلام المعتدل، وأكسبها ذلك الكثير من الاحترام، وفي عصرنا هذا الذي يشهد ارتفاع وتيرة التعصب والغلو فإن تلك المواقف المعتدلة تكون جديرة بالاهتمام، لأنها تساعد في تعزيز الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي.

•  كيف تقيم الاستثمارات الكويتية في سويسرا؟

- ليس بمقدوري أن أتكلم بالأرقام عن استثمارات الكويت في سويسرا، ولكني أتساءل من جهة أخرى لماذا لا يستثمر الكويتيون في بلدهم أكثر مما هو عليه الحال الآن؟ وخاصة إذا نظرنا إلى حجم وعدد المشاريع الضخمة والهامة المتوافرة حاليا في الكويت. ويمكنني القول إن المستثمرين السويسريين يتابعون تلك المشاريع باهتمام بحثاً عن فرص للتعاون، كما يسرني أن اذكر في هذا السياق أن شركة «نستله» السويسرية تسعى لإنشاء معمل لإنتاج مياه الشرب المعبأة في الكويت، ونأمل أن تكلل جهودها بالنجاح.

•  هل من كلمة أخيرة؟

- أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد على كرم الضيافة وطيب الإقامة التي ننعم بها في هذا البلد الكريم والصديق لبلدي، كما أتقدم بالشكر والتحية إلى القيادة السياسية وشعب الكويت الكريم.

الجالية السويسرية متأقلمة مع بيئة الكويت الاجتماعية

عن أهم المشاكل والعراقيل التي تواجه السفارة السويسرية، قال السفير:  ليست هناك مشاكل محددة تستحق الذكر على مستوى العلاقات الثنائية، كما أن الجالية السويسرية متأقلمة تماماً مع بيئة الكويت الاجتماعية، وتشمل تلك الجالية المهندسين والمستشارين وكبار المديرين في الشركات والمؤسسات، وعلى هذه الخلفية يمكنني القول إن الزيارات التي أقوم بها لمختلف الوزارات والهيئات الحكومية هي مناسبات ممتازة لتعميق الحوار والتفاهم بين بلدينا.

وحول دور الجالية في دعم تنمية الكويت وازدهارها، أوضح أن سويسرا تدعم الكويت بالعديد من الكفاءات والخبرات من علماء وأطباء ومهندسين ومتخصصين في مختلف المجالات، وأقول دائما لأفراد الجالية إن كلا منهم هو بمنزلة سفير لبلده، وعليه أن يسعى إلى تعزيز علاقات سويسرا بالكويت.