استفتاء «الأولويات» والإصلاح السياسي
إن المطلوب هو إصلاح سياسي ودستوري ديمقراطي من أجل تحقيق متطلبات الانتقال للنظام البرلماني الكامل بحيث يسمح بإشهار الأحزاب السياسية على أسس وبرامج وطنية، إذ لا ديمقراطية من دون أحزاب سياسية، ثم يعدل النظام الانتخابي بشكل جذري كي يصبح النواب ممثلين للأمة حقيقة.
طلب رئيس المجلس من الأمانة العامة عمل استفتاء لمعرفة أولويات المواطنين علاوة على أنه مضيعة للوقت والجهد والمال، فهو مظهر آخر أو دليل جديد على أن المنظومة السياسية الحالية غير فاعلة وتحتاج لإصلاح سياسي جذري للأسباب التالية:1- الانتخابات العامة في كل دول العالم تعتبر وكأنها استفتاء لآراء المواطنين حول أفضل السبل الكفيلة بمعالجة المشاكل التي يعانيها المجتمع حاليا من ناحية، وتحديد تطلعاتهم وآمالهم المستقبلية من ناحية أخرى، لهذا يتنافس المرشحون (الأحزاب) في طرح برامجهم الانتخابية على المواطنين ومن يختاره الناخبون لتمثيلهم في البرلمان لا يختارونه لشخصه أو مذهبه أو قبيلته أو عائلته كما هي الحال لدينا، بل لأن برنامجه الانتخابي يعبر عن مصالحهم ويحل مشاكلهم ويمثل طموحاتهم، فيكون النائب بعد ذلك ملزماً أمام ناخبيه في تنفيذه.
لهذا، وبالرغم من أهمية الاستفتاءات العامة كأداة لقياس الآراء، فإن استفتاءات معرفة أولويات المواطنين لا تجرى بعد الانتخابات لسبب بسيط جداً، وهو أنهم للتو قد عبروا عنها في صناديق الاقتراع. وحيث إن طلب رئيس المجلس قد أتى بعد الانتخابات مباشرة فهو اعتراف صريح بأن الوضع السياسي الحالي مختل وغير سليم، فالانتخابات لدينا يطغى عليها الطابع الفردي، والأعضاء لا يُنتخبون بناء على برامج انتخابية يستطيعون تنفيذها في ما بعد، بل لاعتبارات شخصية وقبلية وطائفية وعائلية.2- الحكومة لدينا ليست حكومة برلمانية، ولا تشكل بناء على نتائج الانتخابات، بل إنها "حكومة ثابتة" مع بعض التغييرات الشكلية، كما أن الدستور لا يشترط أن تنال ثقة المجلس؛ لهذا فإنها تقدم عادة برنامجاً إنشائياً مكرراً، حتى في الحالات النادرة عندما أقرت ما سُمي بـ"خطة التنمية" فإن الحكومة لم تلتزم بها، فبقيت مجرد حبر على ورق، بل إن ما قامت به الحكومة بعد إقرارها كان يتناقض مع خطوطها العريضة أو إطارها العام الذي أقره المجلس بشبه إجماع!3- هناك الكثير جداً من الدراسات الاستشارية مدفوعة الثمن موجودة منذ مدة طويلة في أدراج الأجهزة الحكومية مثل استشارة السيد "توني بلير" التي أشار فيها لما أسماه "قنابل موقوتة"، ناهيكم عن دراسات وبحوث المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية وجامعة الكويت ومجلس الأمة وغيرها. أضف إلى ذلك أن المشاكل العامة التي يعانيها المواطنون منذ سنين واضحة لا تحتاج إلى المزيد من الأدلة ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، مشكلة البطالة وأزمة السكن وغلاء المعيشة وسوء خدمات التعليم والصحة والازدحام المروري وخلل التركيبة السكانية واختلالات الاقتصاد الريعي واستشراء الفساد بأنواعه لا سيما السياسي، فهل يحتاج الأمر بعد ذلك لاستفتاءات ودراسات وبحوث جديدة مدفوعة الثمن أيضاً؟ كلا بالطبع، فالمشكلة ليست مشكلة نقص في الدراسات والبحوث، بل عدم فعالية نموذج الإدارة العامة للدولة المعمول به حالياً. على هذا الأساس فإن المطلوب هو إصلاح سياسي ودستوري ديمقراطي من أجل تحقيق متطلبات الانتقال للنظام البرلماني الكامل بحيث يسمح بإشهار الأحزاب السياسية على أسس وبرامج وطنية، إذ لا ديمقراطية من دون أحزاب سياسية، ثم يعدل النظام الانتخابي بشكل جذري كي يصبح النواب ممثلين للأمة حقيقة على أن تشكل الحكومة بعد ذلك من الأغلبية البرلمانية، وتنال ثقة المجلس بعد تقديم برنامجها وليس كما هي الحال حالياً.