إعادة ضبط مسار الثورة في مصر

نشر في 20-07-2013
آخر تحديث 20-07-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لعلنا نختلف حول وصف ما حدث من تنحية محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً على الإطلاق في مصر، بالانقلاب العسكري أو غير ذلك، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن احتجاجات الثلاثين من يونيو التي أدت إلى الإطاحة به كانت أكبر حركة جماهيرية حاشدة في تاريخ مصر. وكانت تلك الاحتجاجات أيضاً بمنزلة شهادة صارخة على فشل المرحلة الأولى من الثورة في مصر.

فقد عجز الساسة والجنرالات وأهل القانون عن تجاوز المشاغل والهموم التي تتسم بقِصَر النظر من أجل إرساء حجر الأساس لجمهورية جديدة. وكان من الواجب أن يتم تجنب الإبعاد القسري لرئيس منتخب- فكان بوسع المعارضة الليبرالية أن تخفف من الغضب الشعبي بمطالبة الحكومة بتقديم بعض التنازلات إلى أن يحين موعد الانتخابات التشريعية، التي كان من المقرر أن تجرى في وقت لاحق من هذا العام. ومن خلال العرض الجيد، كان بوسعهم أن يرغموا جماعة "الإخوان المسلمين" التي ينتمي إليها مرسي على قبول التنازلات الضرورية.

وقد تجلت العواقب الأكثر خطورة للإطاحة بمرسي في الثامن من يوليو، عندما فتحت قوات الأمن في القاهرة النار على بعض من عشرات الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا للمطالبة بإعادته إلى منصبه، فقتلت أكثر من خمسين شخصاً. والآن يخشى المصريون الانزلاق إلى نتيجة أشبه بما حدث في الجزائر في عام 1992، عندما ألغت المؤسسة العسكرية هناك نتيجة الانتخابات وأشعلت شرارة حرب أهلية دامية، أو ما حدث في باكستان في عام 1999، عندما قاد الجنرال برويز مشرف الانقلاب الذي أشيد به على نطاق واسع- ولكنه سرعان ما تحول إلى سبب للحسرة والندم- ضد رئيس الوزراء نواز شريف.

لقد أصبحت الأجواء في مصر في أشد حالاتها توتراً وتقلباً منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في أوائل عام 2011. ولكن أخطاء الماضي أيضاً علمت المصريين بعض الدروس المهمة حول متطلبات العملية الانتقالية الناجحة.

فقد فشلت المرحلة الانتقالية الأولى في اكتساب شرعية شعبية واسعة النطاق. فبدلاً من توحيد القوى السياسية المختلفة حول مجموعة مقبولة من المؤسسات الديمقراطية، انتهت العملية الدستورية إلى استقطاب المجتمع على أساس الهوية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى تسلسل خاطئ منذ البداية: فخلافاً لما حدث في تونس، تم انتخاب رئيس بصلاحيات كاملة قبل وضع دستور جديد للبلاد.

ونتيجة لهذا، كانت دوافع مرسي تتلخص في توطيد السلطة والاستئثار بها بدلاً من إنتاج دستور جامع لكل فئات الشعب وأطيافه؛ فقد حصل الدستور الذي دعمته جماعة "الإخوان المسلمين" على موافقة 64 في المئة من الناخبين بعد طرحه للاستفتاء العام، ولكن معدل المشاركة في الاستفتاء لم يتجاوز 33 في المئة من مجموع الناخبين المسجلين. والحق أن قوى المعارضة تستحق اللوم أيضاً؛ فقد رفضت التعاون من "الإخوان المسلمين"، وراهنت على إضعاف خصومها من خلال عزلهم سياسياً في ظل اقتصاد فاشل.

وقد أبرزت الثورة الثانية بوضوح عدم استعداد قسم كبير من أهل مصر بمختلف أطيافهم لتقبل هذه العملية الإقصائية. ولم يكن أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بإعادة الأمور إلى نصابها من جديد- وأغلبهم من المصريين العلمانيين الليبراليين المتعلمين- مدفوعين بمظالم سياسية واقتصادية فحسب، بل إنهم يتطلعون أيضاً إلى الحرية والشمولية، مثلهم في ذلك مثل الطبقات المتوسطة المتململة المستاءة في أماكن أخرى من العالم.

وعلى هذه الخلفية، فإن إحراز أي تقدم في المستقبل يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية. فأولاً تحتاج مصر إلى دستور وخريطة طريق سياسية يحظيان بتوافق واسع النطاق. وينبغي للعملية الانتقالية الجديدة أن تؤكد على الإجماع، حيث المبدأ الهادي هو ألا يكون هناك "غالب" ولا "مغلوب". ومن الأهمية بمكان أن تتضمن عملية مراجعة وتنقيح الدستور الحوار العام، ولابد أن ينال النص الناتج عن ذلك دعم الأغلبية العظمى في استفتاء شعبي عام.

ويُعَد ضمان إشراك التيارات الإسلامية في العملية السياسية شرطاً أساسياً لإحراز أي تقدم. فقد عَدَل الإسلاميون في مصر عن التشدد العنيف إلى الاعتدال والمشاركة عندما بدأوا بالتنافس في الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك. ولاشك أن الأحداث الأخيرة تهدد هذا التحول التاريخي. وما لم يتم جلب الإسلاميين بشكل دائم إلى الحظيرة السياسية، فإن الإسلام السياسي سيعود في أشكال أشد عنفاً في المستقبل.

وثانياً، سيكون لزاماً على قادة البلاد الجدد أن يتخذوا تدابير لن تحظى بتأييد شعبي كبير، ولكنها تهدف إلى إنعاش الاقتصاد المتعثر. وسيتطلب هذا شرح التحديات الاقتصادية الحقيقية التي تواجه البلاد لجماهير الشعب. ويتعين على الحكومة الجديدة أن تقنع الطبقة المتوسطة بقبول خفض دعم الطاقة، الذي يستهلك الآن نحو 30 في المئة من الإنفاق العام، وأن تضمن تنظيماً أفضل للمنافسة وتوفير الائتمان للجميع بطريقة ديمقراطية. كما يتعين عليها أن تحرص على حماية الفقراء وتوفير الأمن لهم وتوسيع قدرتهم على الوصول إلى خدمات الدولة، وإقناعهم بأن الإصلاحات تصب في مصلحتهم في نهاية المطاف.

وأخيراً، لابد أن يواصل "الشارع" الضغط على الساسة من أجل ضمان إنجاز العملية الانتقالية للتسوية السياسية التي تستطيع الأحزاب الرئيسية أن تتعايش معها. فالآن أصبح الشارع يمثل أهمية استراتيجية أعظم من أي وقت مضى.

لقد نجحت "تمرد"، الحركة الشعبية التي قادت الاحتجاجات الأخيرة من خلال جمع ملايين التوقيعات على عريضة تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، في إرغام الأحزاب الليبرالية المفتتة على تحري المزيد من الانضباط. وفي حين أظهر أنصار مرسي أيضاً القدرة على الصمود، فإن التأييد المتزايد لأحزاب دينية أخرى يعكس عدم الرضا عن أداء "الإخوان المسلمين" حتى بين الإسلاميين.

إن النجاح يتطلب الحوار والحلول الوسط. ويشكل تسلسل خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس المؤقت عدلي منصور نقطة انطلاق جيدة- الدستور أولا، ثم البرلمان، وأخيراً الرئيس. والواقع أن رئيس الوزراء المؤقت حازم الببلاوي، الخبير الاقتصادي والإداري والدبلوماسي المخضرم الذي يحظى بتقدير كبير، رجل ليبرالي محترم، وفي الوقت نفسه سليل أسرة من علماء الأزهر الشريف، الذي يُعَد السلطة الدينية الأعلى في الإسلام السُّنّي. وهو في وضع مثالي لقيادة مجلس الوزراء التكنوقراطي الذي جاء كملاذ أخير.

إن منصور والببلاوي قادران على الارتفاع فوق الإغراءات القصيرة الأمد، لأنهما لن يشاركا كمرشحين في الانتخابات المقبلة. وفي الوقت نفسه ينبغي للجيش أن يطهر نفسه من أخطائه الأخيرة باختيار البقاء بعيداً عن الأضواء.

لا تزال الفرصة سانحة لنجاح التحول الديمقراطي في مصر. ولكن التقدم نحو الشمولية وإنشاء مؤسسات متينة ودائمة يتطلب أن ينتبه المصريون إلى الأخطاء التي ارتكبوها طوال الفترة الماضية، التي دامت عامين ونصف العام، وأن يتعلموا منها.

* إسحاق ديوان ، محاضِر السياسة العامة في كلية كيندي بجامعة هارفارد، ومدير إفريقيا والشرق الأوسط في مركز التنمية الدولية. هادي العربي ، المدير الأسبق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top