في الوقت الذي تتابع فيه شعوب الخليج باهتمام بالغ المتغيرات السياسية الجذرية التي تجري في منطقتنا العربية منذ عامين، وتتوقع أن يخطو مجلس التعاون الخليجي خطوات متقدمة نحو تعزيز الديمقراطية، وتوسيع المشاركة الشعبية، وحماية الحريات العامة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، في هذا الوقت الذي أسقطت الثورات العربية سياسات القبضة الأمنية وقوانين "الطوارئ"، تأتي القمة الأخيرة لدول التعاون مخيبة لآمال شعوب المنطقة، حيث أكدت من جديد أن الهاجس الأمني والاستخباراتي الموجّه إلى الداخل أو خيار القبضة الأمنية لايزال هو المسيطر على تفكير أنظمة الخليج، لهذا أعطيت الأولوية للاتفاقية الأمنية.
الأمر الأكثر استغراباً هنا هو توقيع الكويت على الاتفاقية، رغم أنها سبق أن تحفظت على بعض موادها لتعارضها مع الدستور، فماذا حصل يا ترى حتى توافق الحكومة على الاتفاقية الأمنية التي رفضتها قبل عقدين من الزمان تقريباً؟ هناك احتمالان هما:1- ان الاتفاقية الأمنية الجديدة تختلف كلياً عن القديمة ولا تتعارض مع الدستور، لهذا وقّعت عليها الكويت، لكن هذا الاحتمال لا يصمد كثيراً إذا ما عرفنا أن الاتفاقية الجديدة غير معلنة حتى الآن، إذ إن هناك إصراراً عجيباً على عدم نشرها لكي يطلع عليها الناس ويبدون آراءهم حولها، وهو الأمر الذي قد يفسّر بأنه لا يوجد اختلاف بين النسختين.فما يتم تداوله عبر وسائل الاتصال الاجتماعي يبين أن الاتفاقية الأمنية الجديدة لا تختلف كثيراً عن النسخة القديمة، خصوصاً في البنود المتعلقة باحترام السيادة الوطنية وتسليم المطلوبين، كما أن هناك بعض العبارات الفضفاضة والمصطلحات الغامضة مثل "عدم احتضان الخارجين على النظام"، والتي من الممكن أن تستخدم لتقيد الحريات العامة، خصوصا حرية الرأي والتعبير وممارسة العمل السياسي والعام.2- ان الحكومة قد وقعت الاتفاقية الأمنية رغم أنها لا تتوافق مع الدستور، لمعرفتها هذه المرة أن مجلس الصوت الواحد سيوافق عليها بسهولة، ولا بأس هنا من بعض الأصوات "المعارضة" التي ستبرز إعلامياً، لكنها لن تؤثر إطلاقاً على قرار الموافقة النهائية على الاتفاقية.على أية حال، فإن الاتفاقية الأمنية الخليجية تعتبر خطوة للوراء، ومن المفترض الآن أن تتحمل كل القوى السياسية والشبابية، ومنظمات المجتمع المدني مسؤولياتها الوطنية في الدفاع عن المكتسبات الدستورية والحريات العامة، التي ستتضرر كثيراً إذا تمت الموافقة النهائية على الاتفاقية، إذ إن للضغط الشعبي دوراً كبيراً في توجيه السياسات العامة ورفض القرارات الحكومية التي يكون لها تأثير سلبي على تطور المجتمع.
مقالات
الاتفاقية الأمنية خطوة للوراء
31-12-2012