الخيط الرفيع بين التفاؤل والتشاؤم

نشر في 03-01-2013
آخر تحديث 03-01-2013 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي جلسنا مع بعض الأصدقاء نتجاذب أطراف الحديث، وبالطبع كان محور الأحداث التي تشهدها البلاد الآن في ظل نظام انتخابي جديد بالصوت الواحد وحكومة نصف جديدة ومجلس أمة نصف جديد.

انقسم الحضور إلى ثلاث مجموعات، الأولى، كان التفاؤل يكاد يحملها حتى تلامس الثريا، فهي تؤمن بأننا على مشارف مرحلة جديدة تتسارع فيها الخطى على مدارج الرقي والتقدم يعوض ما فاتنا من سنين لتحتل الكويت مركزها الريادي الذي كان ولا تزال هي الأنسب لاحتلاله.

أما المجموعة الثانية، فيكاد التشاؤم يشدها إلى القاع فتلتصق به بلا حراك، وربما تتراجع إلى الخلف فليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل، فالأنظمة هي الأنظمة والقوانين نفسها، والقيادات التي تتولى المناصب طوال الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية هي نفسها، أَبعد هذه السنين نتوقع منها التطور في العطاء والتفكير أمام الواسطة والمحسوبية والرشوة واللامبالاة وغيرها من أمراض قد تفشت في الجهاز الإداري والوظيفي وكل مفاصل الدولة بلا استثناء؟... فمن أين يأتي التفاؤل؟

أما المجموعة الثالثة، فيمكن أن نطلق عليها مجازاً مجموعة "التفاشم"، فهي ترى أن هناك خيطاً رفيعاً بين التفاؤل والتشاؤم، فلو استطاعت الحكومة والمجلس قطعه أو القفز فوقه فإن جرعة التفاؤل ستزيد، وعندئذ سندخل خانة المجموعة الأولى، أما في حالة عدم القدرة على تجاوزه فستبقى الأوضاع على ما هي عليه وربما تتراجع إلى الخلف، وعندئذ سنكون على قمة المجموعة الثانية.

وهنا لابد من طرح تساؤل مشروع فما هو مقياس نجاح أو فشل المجلس والحكومة، وهل يعتبر إقرار قوانين إسقاط فوائد القروض وزيادة الرواتب ومنح ربة البيت راتباً وزيادة علاوة الأولاد، وغيرها من القوانين التي يطلق عليها "شعبية"، نجاحاً مع التأكيد أن هذا حق لأبناء الوطن بشرط أن تكون قد استوفت الدراسة المطلوبة، فلا يجب أن يقتصر خير هذا الوطن على فئات معينة أو "جهات أخرى" ضررها على البلاد أكثر من نفعها.

لكن في نفس الوقت فإن إقرار تلك القوانين ليس مقياساً للنجاح أو الفشل، ولكن المقياس الحقيقي يتمثل في الإنجازات التي تقوم بها الحكومة والمجلس لتغيير الواقع المؤلم الذي تعيشه البلاد. فعلى سبيل المثال لو استطاع المواطن أن يقود سيارته من العاصمة إلى مدينة الأحمدي جنوباً أو العبدلي شمالاً عبر جسور وأنفاق دون إشارات مرور أو ازدحام يرفع نسبة السكر والضغط، فذلك سيكون مؤشراً للنجاح.

وعندما نرى الخطوط الجوية الكويتية وهي تحتل المراكز الأولى في العالم، وعندما نرى الشركات العالمية الكبرى وهي تتسابق لإنشاء مصانعها وفتح مكاتب لها في البلاد، يمكن أن نرى النجاح عند القيام بتعديل التركيبة السكانية والقضاء على الشركات الوهمية ومكاتب الخدم التي تمارس الاتجار بالبشر، وهذا ما يحدث، فلابد من ذكر الحقيقة لا الدوران حولها.

يمكن أن نؤكد نجاح المجلس والحكومة لو تلاشت، أو كادت، طوابير طلب العمل والسكن، وتطور العمل في مرافق الدولة من تعليم وصحة وغيرها، عندها سندخل خانة المجموعة الأولى بكل جدارة وستزداد جرعة التفاؤل.

إن طريق النجاح للحكومة والمجلس طويل وشاق، ولكنه ليس مستحيلاً متى ما وجدت الإرادة والتصميم والبعد عن الصراخ وتدني لغة الحوار والإسفاف في الخطاب وعدم النظر للخلف، فإن من يلتفت للخلف معرضٌ للسقوط، ولنا في تجارب الدول دروس وعبر.

أنا على يقين بأنه لا يوجد أي محب لهذا الوطن يتمنى أن تشهد بلادنا ما يشابه هذا الصراع الذي تعيشه بعض البلاد العربية وغيرها، وعلى سبيل الذكر، فعند تشرفي بمقابلة فخامة الرئيس حارس سيلاتش لتقديم أوراق اعتمادي كسفير محال لدى البوسنة والهرسك فقد أبدى فخامته إعجابه بالنظام الديمقراطي الكويتي، وأضاف أن بلاده تعيش ديمقراطية وهناك معارضة شرسة، لكن اتفق الجميع على إخراج البلاد مما تعيش فيه من أوضاع، فلا يزال غبار الحرب يخيم على البلاد، ولا تزال المقابر المنتشرة بين الأحياء شاهد على معاناة شعبنا من عدو استخدم كل أنواع الأسلحة من أجل إزالتنا من الوجود، ومن هذا المنطلق تتلاشى الخلافات بين الحكومة والمعارضة من أجل إقرار مشاريع التنمية والتعمير.

ونحن في الكويت لسنا بعيدين عن هذه التجربة القاسية... فدعاؤنا دائماً أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top