لم نصل إلى القاع بعد حتى نقيس مسافة البغضاء التي تجمعنا، وكلما تعمقنا نزولاً في نفق الأزمات لمعرفة الجذور والأبعاد، تلمسنا المزيد من السعة والرحابة، فما زرعه السابقون من أصحاب القرار نحصد ثماره المُرَّة اليوم بالأطنان التي تكفي حجم الوطن ويزيد، وما سنلعنه في التو سنترحم عليه بعد ساعة.

Ad

في البحث عن الراحة الوهمية أو في الهروب من التشخيص الحقيقي لمأزق الاهتزاز المستمر لكيان الدولة، لا يوجد أسهل من تحميل طرف ما مسؤولية كل ما يحدث، أو تحديد زمن "الحمل" دون أزمان أخرى لحصر العلاج في تصفية خصم الحاضر بأي طريقة مهما كانت، ولعل أسوأ ما يظهر في مأزق الاهتزاز الحالي هو أن بعض الأطراف مستعد للتضحية بأي شيء أو تجاهل أي خطيئة ترتكب في سبيل التخلص من الطرف الآخر، وهذا الوضع لا يحصل اليوم فقط بل حدث في السابق وكل مرة كان الدور على طرف مختلف.

قديماً كانوا القوميين والتقدميين وفي الثمانينيات الشيعة واليوم القبائل، والأيام تدور وستدور، كانت السلطة هي الرابح الدائم والقانون وقيم العدالة هما الخاسران الدائمان، وكيان الدولة يتصدع بشكل تدريجي، حتى وصل الصدع إلى السلطة نفسها، فيا ترى أي استقرار قادم يتوقعه الحالمون والصدوع تضرب أرجاء البناء؟

في خضم الاهتزاز المستمر الذي نعيشه، هناك عدد لا محدود يريد إعادة كتابة الماضي بما يناسب مرئياته الخاصة، وعدد لا محدود فرض مسلمات جديدة على الدستور والقانون، وعدد لا محدود يريد الاستيلاء على المستقبل لوحده ولا يريد ناقصو التاريخ أو الأصل أو الدين مزاحمته في "الزمكان"، ولأجل ترتيب الأزمان الثلاثة يتطاحن المتطاحنون في حروب الاستنزاف حتى النهاية وبكل الأدوات وفوق كل الاعتبارات، وكل طرف يعتقد أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الانتصار على الأطراف الأخرى.

لا أقول سوى تباً لجهلكم، تريدون تصنيع كويت جديدة على "هواكم" غير كويت دستور 62، وكل طرف وسلطة يعرف حدوده ويقف عندها، كويت لا أحد فيها فوق الدستور والقانون، كويت تخلو من حرية الكلمة وتزدحم بقساة القلوب ومقطبي الحواجب.

وصفة الكويت الجميلة ليست خلطة سرية أو ورقة مقدسة محرمة على العامة، هي قديمة ومتاحة للجميع مكتوبة على شفاه الباسمين السمر وهم يجوبون البحار ويصارعون الأخطار، مختومة على جباه أهل البادية والفروسية وهم يصارعون أقدارهم فوق الرمال المتحركة، مزروعة في الأرض التي جمعت المساجد والحسينيات والكنائس والمعابد والأقوام التي وفدت من جميع الاتجاهات بحثاً عن الأمان والرزق والعيش الكريم، وصفة الكويت الجميلة هي "التراحم والتسامح والعمل الجماعي وترك العباد لرب العباد".

لا تسألوني عن الحل فالطريق إلى القاع ما زال طويلاً والكثيرون مستمتعون بالرحلة، كل ما أستطيع قوله هو لا تبحثوا عن العلّة وهي تسكن نفوسكم؟

الفقرة الأخيرة:

الشماتة في العمل السياسي لا تؤسس لعمل سياسي وبرلماني رصين ومستقر.