كل هذا الشعر!

نشر في 24-03-2013
آخر تحديث 24-03-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري لا يختلف قارئان ولا شاعران ولا ناقدان في العالم العربي اليوم بأن الشعر يتراجع أمام اكتساح، ليس الرواية فقط، وانما أمام أجناس الكتابة الأخرى. وليست تلك الانتكاسة المؤقتة ، كما نرجو لها أن تكون، بسبب الشعر وانما بسبب الشعراء. الشعراء في العالم العربي وتحت وطأة الإرث التاريخي لأغراض الشعر كان جل اهتمامهم اعادة الشعر الى تاريخه الطويل في مدح الملك والأمير وصاحب النفوذ والمال مستخدمين موهبتهم كأداة للتكسب. وهي حالة بالتأكيد لا تخلو منها أشكال الكتابة الأخرى كمقالات الكاتب الصحافي أو كتب تبييض صفحة الطغاة السوداء.

انهيار الشعراء، وبالتالي الشعر، كان في حكاية العراق، بلد الشعراء والشعر، ابتداء من استخدامه وتوظيفه مقاتلا أحادي النظرة للسيد الرئيس والهامه كقائد أممي وانتهاء بالتخلص منه ومن أطنان الكتب والقصائد والشعراء أيضا الذي كرسوا حياتهم الأدبية في خدمة حروبه. في العراق كان أمام الشاعر اختيار وحيد هو الانسياق الى رغبة السلطة وتمجيدها اذا بقي في العراق والاختيار الثاني هو الموت وهو ليس اختيارا، أو الخروج من العراق والصمت وهو الموت الأدبي للشاعر للحفاظ على الهواء في قصبته.

ولكن المسألة في العراق تحديدا لم تكن لتقف عند شعرائه هو بل انضم اليهم شعراء من العالم العربي لاقتسام المائدة الغنية في مهرجانات المربد وبابل والذين لم ينالوا حظهم من موائد صدام اتجهوا الى خيمة القذافي أو صيوان الأسد، وحتى لا يغضب أحد لن نستثني من هؤلاء بعض شعراء الكويت. لا يسع المقال أن يذكر أسماء الشعراء وبالطبع لا يمكنه استيعاب قصائدهم التي كرست لتمجيد الطاغية ولكن تأثير هؤلاء على حركة الشعر والشعرية لا يمكن تجاهله وهو الأهم في موضوع انتكاسة الشعر العربي.

أهم ما واجه شعر تلك السنوات هو تناغم الشكل الشعري ليتوافق مع الخطابة والالقاء التي يحتاج لها منبر الشعر واتهام قصيدة النثر بالفقر لافتقادها التأثير المباشر على المتلقي والممدوح تحديدا. وما يحاوله الشباب اليوم هو العودة بالشعر الى أغراضه الانسانية النبيلة ومحاولة استعادة ثقة القارئ به. فالشعر العربي هو أحد أهم الأجناس الأدبية في الأدب العربي. وأتذكر استاذ الشعر الانكليزي "ارنود بوم" في احدى المحاضرات حين توجه لي أثناء احدى المناقشات قائلا: اتفهم أن أحدا لا يمتلك الموهبة التي يمتلكها العرب في الشعر.

في اليوم العالمي للشعر ورغم كل هذا الحضور الكثيف للشعراء وأمسياتهم الجميلة المتعددة كنا نسأل عن الشعر. الشعر الذي شوهته رغبة الشاعر بأن يحمل اسما موازيا لاسم الدكتاتور وصفة موازية لصفته على حساب اسم الشاعر وصفته. ولكن ما لم ينتبه اليه الشعراء أن الطاغية يموت ولا يموت الشعر. فأي الشعر الذي بقي لنا. وهل ينجح الشباب في اعادة الثقة به الى القارئ.

العلاقة بين المتلقي والشاعر لم يتم تأسيس الثقة بها بعد والقارئ يخالطه الشك بأن غياب الطاغية أو فقر موارده هما أهم أسباب انسحاب الشعراء من بلاط السلطان، والقارئ على ثقة أيضا بأن عودة الطاغية ستحمل حتما عودة الشعر الى نمطه القديم. أما الشعراء الحقيقيون فالمساحة المتاحة أمامهم لا تكفي لخفق أجنحتهم.

back to top